الثبات ـ دولي
بعد أن جرّب الرئيس الأمريكي هاري ترومان السلاح النووي في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، فكر في استغلال ميزة التفوق النووي حينها، وتوجيه ضربة قاصمة للاتحاد السوفيتي المنهك.
بقيت الولايات المتحدة أربع سنوات الدولة الوحيدة صاحبة الأسلحة النووية. لهذا السبب ظهرت خطط لقصف الاتحاد السوفيتي، سميت إحداها بـ"الشاملة" وجرى تطويرها على مر الزمن بطريقة غامضة لا يزال يدور الجدل حول ما إذا كانت حقيقية أم أنها كانت بهدف "تضليل الخصم"!
حلفاء الأمس ضد النازية تحولوا بسرعة إلى أعداء، وأصبح تصريح كان أدلى به ونستون تشرشل بعد أن ترك رئاسة الحكومة البريطانية، البداية العلنية للمواجهة بين القوى العظمى.
خلال زيارة قام بها لكلية وستمنستر في مدينة فولتون بولاية ميسوري الأمريكية تحدث تشرشل عن ضرورة أن تحقق الدول الناطقة بالإنجليزية تفوقا عسكريا ساحقا على الدولة السوفيتية.
بعد عدة أيام علّق الزعيم السوفيتي يوسف ستالين في مقابلة مع صحيفة "برافدا" على كلمات تشرشل قائلا إنها مطابقة لتلك التي نطق بها هتلر ذات مرة.
منذ ذلك الحين خرج العداء الخفي بين المعسكرين إلى العلن، وتصاعدت حدة الخلافات بينهما، ما أفضى إلى بداية سباق تسلح نووي.
كانت "الشاملة" أول خطة تم إعدادها في عام 1945 لشن هجوم على الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك استخدام القنابل النووية. المشروع تولى قيادته بأمر من هاري ترومان، الجنرال دوايت ديفيد أيزنهاور، الذي أصبح لاحقا الرئيس الأمريكي رقم 34.
انكب العسكريون الأمريكيون في ذلك الحين على مهمة تمهيدية تتمثل في البحث عن نقاط "ضعف استراتيجية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لهجوم جوي محدود".
في سياق تحليل معلومات واردة بهذا الشأن، جرى التشديد على ضرورة "أن تصبح الولايات المتحدة رائدة في تنظيم هجوم مضاد عالمي من أجل تعبئة وتعزيز قواتها لتقويض سلطة الحكومة الشيوعية"، وكان من الممكن تحقيق ذلك بالاعتماد فقط على (القدرات النووية) الأمريكية، والتي من خلالها يرى الجنرال كورتيس ليماي، الذي قاد عملية القصف النووي لليابان أنها تعني "هجرة السكان من الأراضي الشاسعة وعودة النشاط البشري إلى البدائية التي كان عليها في السابق".
بعبارة أخرى، تضمنت الخطة "الشاملة"، عملية تدمير واسعة النطاق للسكان السوفييت، مع تحويل الاتحاد السوفيتي إلى منطقة هائلة شبه مهجورة. لوضع هذه الخطة" الإنسانية " قيد التنفيذ، كان لا يكفي استخدام قنبلتين كما جرى في اليابان، بل أكثر بكثير.
الخطة "الشاملة" افترضت أولا توجيه ضربات متزامنة لجميع المدن الكبيرة المكتظة بالسكان في الاتحاد السوفيتي بما في ذلك موسكو ولينيغراد وتبليسي وباكو، وأيضا جميع المراكز الصناعية في منطقة الأورال وسيبيريا.
في المجموع ضمت القائمة 20 هدفا استراتيجيا تطلب نفس العدد من القنابل النووية، إلا أنه بطبيعة الحال لم يكن لدى الولايات المتحدة مثل هذه الترسانة في عام 1945.
بعد مرور 5 سنوات في عام 1950، كانت الولايات المتحدة لديها ما يقرب من 300 قنبلة نووية، بينما كان لدى الاتحاد السوفيتي فقط خمس قنابل بحشوات نووية.
تغيرت الظروف بوتيرة سريعة وتمكن الاتحاد السوفيتي من امتلاك قوة نووية رادعة. الرواية التي رأت أن الخطة "الشاملة" ما هي إلا عملية لتضليل موسكو ظهرت في عام 1979، حين كتب المؤرخ العسكري ديفيد آلان روزنبرغ، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة بحلول عام 1946 لم يكن بإمكانها إنتاج أكثر من 9 قنابل نووية، وأن واشنطن أيضا لم يكن لديها ما يكفي من القاذفات بعيدة المدى، القادرة على إيصال القنابل النووية إلى وجهتها، وخلص إلى ان الخطة "الشاملة" لم تكن أكثر من "خدعة نووية عملاقة" لهاري ترومان.
المؤرخون السوفييت ومن بعدهم الروس يرون بالمقابل أن مثل هذه الخطط لم يتم تنفيذها ليس فقط بسبب نقص الأسلحة اللازمة في ذلك الوقت، ولكن أيضا بسبب تدابير مضادة قام بها الاتحاد السوفياتي.
موسكو كانت تلافت عدم امتلاكها عددا معادلا من الأسلحة النووية، بتركيز اهتمامها على الدفاع الجوي، وحققت نجاحات كبرى في هذا المجال، وفي نفس الوقت امتلكت بسرعة السلاح النووي منذ عام 1949، ما حرم الولايات المتحدة من التفوق التام، واللعب بالسلاح النووي كما يحلو لها.