الثبات ـ منوعات
تختلف ظروف الحياة في دول العالم لكنها في الهند تتنوع بشكل فريد، وتبدو مظاهر مثل هذا الاختلاف الحاد غريبة من الخارج. في هذا البلد العريق والكبير قد يصبح السجن حلما ونعيما أرضيا.
هذا السجن لا يشبه غيره، فهو مثل بلدة مفتوحة يعيش بداخلها سجناء مع عائلاتهم. هنا يركض الأطفال في الشوارع والأزقة ولا تبدو في المكان أي مظاهر تدل على أنه سجن!
هذا السجن غير العادي يوجد في بلدة "سانجانر" في شمال غرب الهند، وفيه لا تُرى قضبان خلفها وجوه واجمة تتطلع إلى الحرية، ولا زنازين تحجز حرية مجرمين قررت العدالة عزلهم عن المجتمع.
يسكن السجناء في هذه المؤسسة الإصلاحية الهندية المدهشة في بيوت شيدوها بأنفسهم أو اشتروها من سجناء سابقين، ولا يتكفل السجن بإطعام النزلاء وعائلاتهم، بل يقول هؤلاء بطهي الطعام كل على حدة في بيوتهم.
السجناء لا تحجز حريتهم بشكل كامل، فهم يستطيعون الخروج من أبواب السجن ومغادرة الأسوار من السادسة صباحا حتى السابعة مساء، ولهم حرية التنقل داخل رقعة المؤسسة على مساحة دائرة نصف قطرها عشر كيلومترات. أقارب السجناء أيضا يمكنهم الدخول والخروج من هذا السجن في أي وقت.
سجن "سانجانر" يعد أقدم سجن مفتوح في آسيا، وتبلغ مساحته 40 ألف متر مربع، وكان افتتح في عام 1958.
القسم الأكبر من السجناء من الرجال، وتوجد نسبة صغيرة من النساء، ومعظم النزلاء متهمون بجرائم قتل تكون في العادة من دون قصد ومن دون تخطيط مسبق بما في ذلك جرائم الشرف أو تلك المرتبطة بالعادات المحلية مثل جرائم لقتل على خلفية "الديون" والتي يقتل فيها الرجال زوجاتهم لعدم الإيفاء بالمهور الموعودة!
اللافت أن تاريخ هذا السجن ارتبط بفيلم سينمائي بعنوان "عينان واثنا عشر يدا"، كانت أنتجته "بوليوود" عام 1958، وجسدت قصته في أحداث كوميدية مأمور قرر في أحد السجون محاربة عنف السجناء بطريقة لطيفة، وسمح أولا للسجين الذي اعتدى عليه بالضرب برؤية أطفاله، ثم جمع ستة من القتلة العتاة، واستقر بهم في مزرعة، وتوالت الأحداث وانتصر، كما هي العادة هذا النوع من الأفلام، الخير على الشر في النهاية!
الفيلم أعجب به رجل شغل منصب حاكم ولاية راجستان في ذلك الوقت، فقرر افتتاح مؤسسة سجنية مماثلة في منطقته.
لاحقا التجربة توسعت وأقيمت سجون مفتوحة مماثلة في مناطق أخرى إلى أن بلغ عددها 61، إلا أن هذا السجن بقي الأكثر حرية وشهرة.
مع كل ذلك توجد أعداد قليلة من النزلاء في مثل هذه المؤسسات الإصلاحية المفتوحة، والدخول إليها لا يتأتى بسهولة ولا مباشرة من قاعة المحكمة بعد صدور الحكم، بل يتوجب على النزلاء الجدد أن يكونوا قد قضوا ما لا يقل عن ثلثي محكوميتهم في سجن عادي، وأن يكونوا قد تميزوا هناك بسلوك مثالي، وبذلك تعد هذه السجون بمثابة مكافأة.
علاوة على ذلك، لا يسمح بدخول السجون المفتوحة للقتلة المحترفين ومرتكبي جرائم الاغتصاب أو تجار المخدرات.
في هذه السجون لا يرتدي حتى الحراس الزي الرسمي، كما أن السجناء يجدون سقفا يأويهم وأسرهم وعملا يدر عليهم ما يكفي من المال، حتى أن البعض يحلم بالعيش فيها حتى النهاية، فيما يحلم نزلاء السجون الأخرى العادية في أن يكونوا من أصحاب الحظ السعيد وأن ينتقلوا للعيش مع أسرهم في هذه "الجنة"!