الثبات ـ دولي
تحدث المفكر الروسي ألكسندر دوغين عن الجرائم التي ارتكبها غورباتشوف ويلتسين ضد روسيا، ورسم صورة الصحوة الروسية المعاصرة، داعيا لإحياء الإمبراطورية الروسية لا الاتحاد السوفيتي.
وكتب دوغين في منشوره على "تيليغرام":
هجمات الطائرات المسيرة على موسكو وبريانسك، وتعرض شبه جزيرة القرم وغيرها من الأراضي والمدن والبلدات والقرى الروسية للهجمات الأوكرانية مظهر من مظاهر الحرب.
من وقت لآخر، يجدر بنا أن نعود لجذور هذه الحرب، التي تدخل بشكل متزايد في مفردات حياة شعبنا، بما في ذلك في العاصمة.
تتلاقى جميع الأسباب مع بيريسترويكا الثمانينات التي أطلقها الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، والإصلاحات الليبرالية التي أقرها الرئيس الروسي بوريس يلتسين في التسعينات، وهو ما يمكن اعتباره أفظع جريمة تاريخية ارتكبت بحق روسيا.
النخبة التي نشأت على أنقاض الاتحاد السوفيتي، ليست النخبة الأفضل، وإنما كان الأمر استيلاء ناجحا على السلطة من فلول حزب منحط ووحشي في تحالف مع مثقفين يعانون من "الروسوفوبيا" (رهاب الروس)، وعملاء المخابرات الغربية وعناصر الجريمة المنظمة.
لقد دمر هؤلاء الإمبراطورية وشكلوا مجموعة كاملة من الدول الفاشلة Failed States المعادية لروسيا.
ولم يكتف هؤلاء بذلك، بل حولوا روسيا نفسها إلى مستعمرة للغرب، وتبنّوا بالكامل أيديولوجية العدو الجيوسياسي، وخضعوا لاستسلام حضاري.
فهم الناس حينها ويفهمون الآن، إلا أن تلك النخب بشكل عام لا تزال على حالها، على الرغم من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ثمة معيار واضح هنا: عندما تدين الدولة بوضوح، وعلى نحو لا لبس فيه وبشكل علني خطوات غورباتشوف ويلتسين، وشركائهما المباشرين، سيبدأ التحول الحقيقي، لا عودة إلى الاتحاد السوفيتي، بل نحو إحياء الإمبراطورية.
وبدون أفق استعادة الإمبراطورية، وإقامة حضارة روسية ذات سيادة بالتركيز على العملية العسكرية الخاصة وأهدافها، سيظل منطق هذه العملية غير مقبول وغير مفهوم وغير قابل للتحقيق، كما ستظل أسباب مقتل أبنائنا على الجبهات، وهجوم العدو على موسكو غير واضحة.
عندما انهارت روسيا أواخر التسعينات بسبب هذه النخب، وعندما هاجم العدو موسكو في شخص المتطرفين الإسلاميين، كان الرد هو بوتين.
قمع بشدة مسار تفكك روسيا، وانتصر في حرب الشيشان الثانية، وحافظ على روسيا ووحدتها.
كان هذا ولا يزال عملا بطوليا حقا، وبفضله أصبح بإمكاننا اليوم أن نفخر بالعلم الروسي، الذي كان الوطنيون على الأرجح يخجلونه في التسعينات.
لقد تم توجيه الضربة الأولى للنخب الليبرالية في التسعينات، وحينها تحولت إلى معارضة شرسة، ثم هربت جزئيا من البلاد، إلا أن أغلبية هذه النخب تكيفت مع بوتين وتحصنت، بينما استمرت في الترويج لقيم العدو الجيوسياسي المتمثل في الغرب، وعرقلت التحول الوطني بشدة.
وبعد أن عزز بوتين روسيا ومنع انهيارها، وواجه عواقب انهيار الاتحاد السوفيتي، حلّ عام 2008 بعملية إرغام جورجيا على السلام، ثم عام 2014 الذي شهد عودة القرم إلى روسيا، وأخيرا العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ومرة أخرى، وفي كل مرحلة من هذه المراحل، كانت شظايا النخب الليبرالية وجميعها من نفس القناعات التي دمرت الاتحاد السوفيتي تهرب إلى الغرب، ثم هربت المجموعة الأكبر من هؤلاء بعد بداية العملية الروسية في أوكرانيا.
الحرب في أوكرانيا أول عمل حاسم لبعث الإمبراطورية الروسية، بمعنى القضاء على العواقب الكارثية لعام 1991، وحقيقة أن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ودول المعسكر الاشتراكي السابق بشكل خاص تشارك بنشاط في التحالف الغربي دليل مباشر على جرائم غورباتشوف ويلتسين.
نحارب اليوم هذه الجرائم، وتحاربنا هذه الجرائم بدورها ولذا، فالخطوة التالية من العملية العسكرية في أوكرانيا إدانة جذرية صريحة وصادقة لأحداث الثمانينات والتسعينات والتغيير النهائي الحاسم للنخب في روسيا.
نحن في الصفحة التالية من التاريخ حيث تواصل إمبراطوريتنا الهجوم، إلا أن العدو ما زال يقاوم بوحشية، ويسعى إلى الضرب بقوة أكبر. في الوقت نفسه، يتخلف وعي النخب بمرضية عما يحدث، ويحاولون بكل ما أوتيوا من قوة تأخير الصحوة وتعتيم الخطوط الواضحة للصورة التاريخية الجديدة.
مع ذلك، فإن كل يوم من أيام الحرب، وكل ضربة أو مجرد قضمة من العدو، وكل إنجاز نحققه، وكل تضحية تقربنا بلا هوادة من لحظة الصحوة، ومن ثم لحظة الحكم، ولحظة الإمبراطورية.
سنعيد كل شيء إلى أصله... روسيا إلى الأمام!