الثبات ـ عربي
واصل خبراء مصريون تحذيراتهم من مخطط يُراد به التحكم في حصة مصر من ماء النيل، مؤكدين أن هذا المخطط “الجهنمي” لن يتوقف إلا بالأيادي المصرية.
جاءت هذه التحذيرات تزامنا مع بدء الملء الرابع لسد النهضة، وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون منذرا بعواقب وخيمة، ونتائج وبيلة.
محمد نصر علام وزير الري المصري الأسبق قال إن هناك اتفاقيات تاريخية لادارة مياه النيل معظمها اتفاقيات حدودية، منها 1902 مع أثيوبيا تتعهد فيها بعدم إعاقة تصرف النيل الأزرق للسودان ومصر، واتفاقية 1929 مع دول الهضبة الاستوائية والسودان ومصر، تتعهد فيها الدول بعدم إعاقة تصرف مياه النيل الأبيض لمصر والسماح للسودان باستخدام ٤ مليارات متر مكعب سنويا.
وأضاف علام أن هناك اتفاقية مصر والسودان عام 1959، والتى فيها تم الاتفاق على زيادة حصة السودان من مياه النيل من 4 الى 18.5 مليار متر مكعب، واستفادة مصر بحصة سنوية مقدارها ٥٥.٥ مليار متر مكعب، لافتا إلى أنه
يتوفر لدول المنبع ثروات مائية هائلة والعديد من الأنهار الأخرى، ومئات الآلاف من الكيلومترات المربعة من المستنقعات، وكثافات مطرية مابين 900 – 2000 مم في السنة ومساحات هائلة من المراعي الطبيعية والغابات.
وقال علام إنه يتوفر في دول المنبع برك ومستنقعات يفقد منها كميات مياه تقريبا تعادل تصرف نهر النيل الواصل لمصر والسودان، ويمكن استقطاب جزء من هذه الفواقد لانقاذ ما لايقل عن 30 -40 مليار متر مكعب سنويا على الأقل، مع تنمية وتطوير هذه المساحات الشاسعة لصالح هذه الدول، ولكن هناك اجماع في جميع هذه الدول وبدعم غربي بعدم تطوير هذه الأراضي بحجة المحافظة على البيئة.
وقال وزير الري المصري الأسبق إنه يتوفر لدول المنبع عدد كبير من البحيرات الطبيعية والتى تستخدم للزراعة والرى والمراعي وصيد الأسماك والنقل، مشيرا إلى توفر عدد كبير من سدود الرى وتوليد الكهرباء في دول المنبع وهناك خطط لسدود اكثر في بعض هذه الدول ليس بهدف التنمية الاقتصادية بقدر العمل على تقليل التصرفات المائية الواردة لمصر والسودان.
وحذر علام من أن الالتفاف حول مصر والسودان ومحاولة التفريق بينهما، هدف دائم لبعض هذه الدول وبدعم غربي صريح، ومن خلال مؤامرات مستمرة وكان من ضمنها فصل جنوب السودان.
علام قالها صراحة: “سد النهضة، هدفه الأساسي التأثير سلبا على حصة مصر المائية واستكمال بناء مخطط سدود أثيوبية للتحكم في مياه النيل الأزرق وبالتالي في حصة مصر المائية.”.
وقال إن المخطط معروف للجميع بل منشور علميا في دوريات عالمية فى أوروبا وأمريكا، مؤكدا أن هذا المخطط لن يتوقف الا بالأيادي المصرية.
وقال إن الاعتماد على آخرين للمحافظة على حقوقنا مضيعة للوقت والجهد، بل ومضيعة لنا وحقوقنا كمصريين.
من جهته قال عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية إن اثيوبيا بدأت التخزين الرابع 14 يوليو 2023، وهو خطوة هندسية لاإرادية بعد زيادة ارتفاع الجانبين والممر الأوسط حتى مستوى يتراوح بين 620 -625 متر فوق سطح البحر، ولا تستطيع الحكومة الاثيوبية إيقافه سوى استمرار فتح بوابتى التصريف (60 – 70 مليون م3/يوم) أو غلقهما.
وقال إن أضرار التخزين بصفة عامة متعددة، لافتا إلى وجود فرق بين وجود أضرار تعمل الدولة على عدم وصولها إلى المواطن، وعدم وجود أضرار على الاطلاق، وتقوم الدولة على ترشيد استهلاك المياه، وانفاق عشرات بل مئات المليارات من الجنيهات على مشروعات تطوير الرى والزراعة، وإعادة استخدام المياه بعد معالجتها، وتبطين الترع، والتوسع فى انشاء الصوب الزراعية وغيرها حتى نحافظ على احتياطى مائى جيد فى السد العالى يضمن الأمن المائى للمواطنين.
ولفت إلى أن أضرار التخزين المائى فى اثيوبيا تنقسم إلى أضرار مائية واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وبيئية.
وقال إن هناك أضرار مائية واقتصادية.
وتابع قائلا: “أى كمية مياه تخزن فى سد النهضة قليلة أو كبيرة، هذا العام أو الأعوام القادمة هى مياه مصرية-سودانية، وهى الخسارة الأولى المباشرة، والتى لو استغلت فى الزراعة لجاءت بعائد اقتصادى قدره مليار دولار لكل مليار متر مكعب، بالاضافة إلى تحديد مساحة الأرز بحوالى 1.1 مليون فدان، والتكاليف الباهظة بعشرات المليارات من الجنيهات فى إنشاء محطات معالجة المياه لاعادة استخدام مياه الصرف الزراعى، وتبطين الترع، وتطوير الرى الحقلى، والتوسع فى الصوب الزراعية وغيرها.
وبالنسبة للسودان ارتباك قى تشغيل السدود، ومستقبلاً قلة الانتاجية الزراعية نتيجة حجز الطمى فى سد النهضة، وارتفاع منسوب المياه الجوفية، وزيادة التكلفة الانتاجية للمحاصيل الزراعية للتوسع فى استخدام الأسمدة.
وبالنسبة لاثيوبيا غرق مزيد من الأراضى الزراعية وبعض المناطق التعدينية، وعدم القدرة على توزيع الكهرباء عن طريق مصر لآسيا وأوروبا نتيجة التوتر وعدم الاتفاق.”.
وقال إن حصة المياه المصرية والتى تقدر بـ 55.5 مليار م3، هى متوسط الايراد لمصرـ بمعنى المياه التى تزيد عن الحصة تعوض سنة أخرى تكون الحصة فيها أقل وبالتالى فقد تلك الزيادة فى أى سنة يعنى عدم الحصول على الحصة كاملة فى سنوات الجفاف.
وعن الأضرار السياسية قال شراقي إنها تتمثل فى استمرار اثيوبيا لفرض سياسة الأمر الواقع باتخاذ قرارات إحادية وخرقها للمرة السادسة للاتفاقيات الموقعة بين مصر واثيوبيا (اتفاقيات 1891، 1902، 1906، 1925، 1993) والأعراف الدولية، واعلان مبادئ سد النهضة 2015، وتوصيات القمم المصغرة للاتحاد الأفريقى، وأخيراً البيان الرئاسى لمجلس الأمن سبتمبر 2021، بعد التخزين الأول (1-21 يوليو 2020) والثانى (4-18 يوليو 2021) وتشغيل التوربين رقم 10 فى 20 فبراير 2022، والتوربين رقم 9 11 أغسطس 2022، والتخزين الرابع 14- 2023، وقد تستمر بنفس الأسلوب عند إنشاء سدود أخرى، وأيضا مزيد من التوتر فى العلاقات بين السودان ومصر من جهة واثيوبيا من جهة أخرى.
ولفت إلى أن الطريقة الاثيوبية قد تشجع دول منابع أخرى فى اتباع نفس الاسلوب عند انشاء سدود على روافد نهر النيل إحراج المسئولين فى مصر والسودان أمام شعبيهما.
وعن الأضرار الاجتماعية قال إنها تتمثل في تهجير مزيد من سكان بنى شنقول، مشيرا إلى أن بعضهم سوف يتجهون إلى السودان الذى يعانى مثل كثير من الدول من ظروف اقتصادية صعبة خاصة بعد ثورة ديسمبر 2018. والحرب الأخيرة، واختلاف نمط حياة بعض المزارعين السودانيين الذى تعودوا على الزراعة الفيضية البسيطة غير المكلفة من فيضان النيل الأزرق على الجانبين فى الأراضى المنخفضة والمنبسطة بمساحات كبيرة، فيها يتم ترسيب الطمي وغسل التربة سنوياً بمياه الفيضان مما يجعلها على درجة عالية من الخصوبة، وسوف يحتاج هؤلاء المزارعون مستقبلا إلى حفر ترع للرى وانشاء شبكات رى مكلفة، والتأقلم اجتماعيا واقتصاديا مع الظروف الجديدة.
كما أن تعدد التخزين أو التشغيل دون اتفاق يؤدى إلى غضب المواطن المصرى والسودانى من التصرفات الاثيوبية، واتباعها سياسة فرض الأمر الواقع.
وقال إن الأضرار البيئية تتمثل في زيادة الفاقد من البخر مع اتساع سطح البحيرة، وكذلك التسرب فى الصخور المحيطة لخزان السد من خلال التشققات والفراغات، وزيادة الحمل الناتج من وزن السدين الرئيسى والمكمل (اجمالى 75 مليون طن) والمياه والطمى (حوالى 45 مليار طن) على الأرض المتشققة، مما يزيد من استعدادها لحدوث الزلازل بجانب نشاط الاخدود الأفريقى العظيم الذى يعتبر أكبر فالق على يابس الكرة الأرضية، ويشكل أنشط المناطق الزلزالية والبركانية فى أفريقيا، و تحلل الأشجار الغارقة فى مياه البحيرة وتأثيرها على نوعية المياه، واحداث تغير فى التنوع البيولوجى للمنطقة، غرق بعض المناطق التعدينية وانتقال بعض العناصر الثقيلة مثل الرصاص والنحاس واليورانيوم والمنجنيز فى المياه، وتغير محلى فى المناخ لاقليم بنى شنقول من حيث درجة الحرارة والأمطار.