الثبات ـ منوعات
يسارع البشر الآن بمد مركباتهم إليه. إنه القمر الذي ظل على مر التاريخ البشري لغزا محيرا، وقرصا منيرا في الليالي المظلمة يتغنى به العاشقون، وأيضا مادة لأساطير متنوعة ومدهشة.
لم يكن في استطاعة البشر في العصور الغابرة الوصل إلى القمر إلا بأعينهم وبخيالهم، وهكذا نسجت المخيلة البشيرية في القديم قصصا حاولت من خلالها أن تجد تفسيرا لهذا الجسم المضيء والمتغير في السماء.
الحقيقة أن الأساطير القديمة من مختلف بقاع العالم عن القمر والشمس وكانا يقرنان دائما معا، كانت تتحدث عن الطبيعة البشرية وهي تحاول أن تجد أصلا للأجرام السماوية.
رُبط القمر في الثقافة الإنسانية القديمة بالمرأة، وكان يعتقد أنه السؤال عن الحمل والإجهاض وبكل ما يتعلق بالجنس اللطيف. وهكذا كان القمر قبلة للخيال البشري الذي حاول فك طلاسمه، بتأليف قصص توارثتها الأجيال بمثابة حقائق عن الكون.
من بين الأساطير الكثيرة التي تقرن القمر بالشمس، واحدة تروي أن
الشمس كانت في حالة حب مع القمر وأرادت الزواج منه، لكنه لم يرغب في مثل هذا الارتباط، ولكن بدلا من أن يرفض القمر، أبلغ الشمس أنه يريد أن يحصل على هدايا منها بقدر حجمه.
الشمس، كما تقول هذه الأسطورة، وافقت وبدأت تكسو حبيبها بأجمل الملابس. مع ذلك الزواج لم يكتمل أبدا، وذلك لأن الشمس لا تزال تقدم هداياها إلى القمر، وهو خلال تحوره يرتدي في كل مرحلة زيا جديدا، فيما الشمس تنظر أبديا أن يقترنا!
أسطورة ثانية
تحدثت عن ملكة عظيمة كانت ترتدي قلادة رائعة من الماس، لم تكن تخلعها إلا حين تهجع إلى فراشها. ذات يوم أمرها الملك بعدم ارتداء هذه القلادة، التي رأى أنها غير مناسبة. بعد أن نزعت الملكة القلادة الماسية من عنقها، سرقها على الفور لص. لاحقا تبين أن اللص كان ملك المجرة. لم تستطع الملكة استعادة القلادة منه، ولذلك أصبحت الماسة قمر ينير ظلمة المجرة.
أسطورة ثالثة
تصور الأرض قبل ظهور الشمس والقمر. الحكاية الأسطورية تروي أن ذئبا خاطب نسرا قائلا: "معا يمكننا اصطياد فرائس أكثر مما إذا قام بلك كل منا بمفرده".
الذئب لم يكن في مقدوره الرؤية في الظلام، لذلك اقترح أن يذهب النسر بحثا له عن الضوء. طار محلقا فوق الأرض، على أن شاهد النسر فجأة افراد قبيلة من الهنود الحمر وهم يرقصون.
كان لدى هؤلاء صندوقان. سرق الذئب والنسر الصندوقين وهربا. حين قاما بفتح الصندوقين، حلقت كرتان متوهجتان على الفور، ارتفعت الشمس واستقرت في السماء، فيما لم بعرف القمر طريقه، ولم يدر إلى أين يمضي، فبدأ يتجول من عال في جميع أنحاء العالم.
الأسطورة الرابعة
نسجها الأرمن، وهي تدور حول صبي يدعى لوسين أزعج والدته ذات مرة حين كانت منشغلة بعجين الخبز، بطلب كعكة. صفعته والدته بقوة إلى درجة أنه طار إلى الجنة! ومن هناك بدأ قمرا يضيء من هناك، فيما العلامات والبقع التي تشاهد من الأرض ما هي إلا أثار يد والدته!
ثقافة شعوب "أوقيانوسا" وهي منطقة تضم أستراليا وجزر قريبة منها، صاغت أسطورة خامسة
أفيد من خلالها بأن شقيقتين كانتا تعيشان في جزيرة نائية، وكانتا صيادتين ماهرتين للأسماك، قامتا ذات يوم بالإمساك بسمكة سحرية وسحبها من الماء. السمكة كانت مفلطحة وبيضاء ضخمة. قررتا أن تكون طعامهما على الفور. وضعتاها على العشب ومضيتا لجمع الحطب، لكن حين ابتعدتا تسلقت السمكة السحرية جدع شجرة، وحين انتبهت الشقيقتان للأمر واقبلتا نحوها، فزعت السمكة السحرية وسارعت إلى القفز من فرع إلى أخر أعلى إلى أن وصلت على السماء. ولذلك القمر في عرف تلك الحضارة ما هو إلا سمكة مفلطحة سحرية ضخمة!
لم تتوقف المخيلة البشرية عن وضع تفسيرات عجيبة وغريبة عن القمر، ولا يزال البعض في عصرنا بعتقد أن القمر حين يتوارى عن الأنظار، يؤثر على سلوك البشر بشدة، وقد يؤدي إلى ارتكاب البعض الجرائم، بما في ذلك الانتحار!
كما يربط القمر في بعض الثقافات المعاصرة بارتفاع معدل الولادات، كما يحاول سكان بعض الدول تحديد جنس الجنين بحسب مراحل القمر، ولذلك يظل القمر رغم التقدم العلمي، ملهما للخيال ورمزا للجمال والسحر والروعة على الرغم من الصور المنتشرة عنه بتربته الجرداء القاحلة والقاتلة!