الثبات ـ دولي
لا تضرب الأسلحة الأمريكية النظامية القاتلة في أجزاء من العالم فحسب، بل وتنطلق بانتظام أيضا في الشوارع والمدن الأمريكية في ظاهرة مقلقة متزايدة.
يضمن التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة حق المواطنين في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها. دخل التعديل حيز التنفيذ في 15 ديسمبر 1791، بالتزامن مع التعديلات التسعة الأخرى المدرجة في وثيقة الحقوق.
ظاهرة حوادث العنف المسلح في الولايات المتحدة تدور في دائرة مفرغة وتحصر في تجاذبات لا تغادر مكانها، وسلامة المواطنين الأمريكيين وأمنهم في بيوتهم وفي أعمالهم من جهة رهينة حق دستوري يضمنه التعديل الثاني الذي كان دخل حيز التنفيذ منذ 15 ديسمبر 1791، ومن جهة أخرى نفوذ شركات الأسلحة المستفيدة من هذا الواقع، ولذلك أغلب ردود الفعل على حوادث إطلاق النار القاتلة وتزايد العنف المسلح في المجتمع الأمريكي، تنصب على محاولة تشديد إجراءات حصول الأمريكيين على السلاح لا القضاء على خطر انتشارها الواسع ذاته.
المنظمة الأمريكية لأرشيف العنف المسلح نشرت في عام 2023 تقريرها الأول عن الوفيات والإصابات الناجمة عن استخدام الأسلحة النارية في السنوات القليلة الماضية، مشيرة إلى تضاعف العدد الإجمالي للوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية مرتين تقريبا في الفترة من 2014 إلى 2020 بالولايات المتحدة إلى 19411 شخصا، وتزايدت عمليات قتل الأطفال إلى 999، وهو أكثر مرة ونصف من السابق، وزاد كذلك عدد قتل المراهقين إلى 4142، وفيما في عام 2014 أصيب 22779 شخصا، ارتفع العدد في عام 2020 إلى 39492، كما ارتفع عدد حالات القتل الجماعي بشكل حاد من 299 إلى 611 حالة.
وأظهرت البيانات أن فرص إطلاق النار على المواطنين الأمريكيين تتزايد من سنة إلى أخرى، على الرغم من عدم وجود زيادة في الوفيات الناجمة عن الدفاع المشروع عن النفس، وكانت في عام 2014 قد سجّلت 1605 حالة مقابل 1478 في عام 2020.
بالنسبة للعام الجاري تفيد الإحصاءات بمقتل 15541 شخصا بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة في شهر يناير فقط، في حين تم تصنيف 2046 حالة وفاة أخرى بالأسلحة النارية على أنها انتحار، كما قتل 22 طفلا و124 مرهقا.
بحسب العديد من المؤشرات، كان العام 2021 قياسيا بالنسبة لحوادث إطلاق النار في شوارع المدن وفي المحلات التجارية، ومطاعم الوجبات السريعة والكنائس، في أيام العطلات والإجازات.
خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021 ، سقط أكثر من 8100 شخص ضحايا للأسلحة النارية في الولايات المتحدة، بمعدل 54 شخصا يوميا، وهو ما يزيد بعدد 14 شخصا عن نفس الفترة في السنوات الست السابقة!
الخبراء يرجعون هذه الزيادة إلى عدد من المشاكل الجديدة والقديمة، بما في ذلك عدم المساواة المترسخة، وزيادة عدد مالكي الأسلحة، وتدهور العلاقات بين الشرطة والمواطنين، علاوة على تفاقم الوضع أثناء جائحة الفيروس التاجي، ووسط احتجاجات واسعة النطاق من قبل حركة العدالة العرقية.
معدل الوفيات في الولايات المتحدة نتيجة استخدام الأسلحة النارية كان بدأ في الارتفاع في أبريل 2020، حين تم فرض قيود في معظم أنحاء البلاد بسبب الجائحة، وتم نقل طلاب المدارس إلى التعلم عن بعد، وفقد أكثر من 20 مليون شخص وظائفهم.
ذلك الوضع قال عنه شاني باجز، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا:" لقد أدى الوباء إلى تفاقم جميع أوجه عدم المساواة التي كانت موجودة دائما في بلدنا، العرقية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك في مجال الصحة".
اللافت أن الارتفاع في عدد جرائم القتل باستخدام الأسلحة النارية في عام 2020 بنسبة 30% مقارنة بعام 2019، تزامن مع زيادة غير مسبوقة في مبيعات الأسلحة، حيث اشترى الأمريكيون أكثر من 23 مليون قطعة سلاح ناري، وهو ما يزيد بنسبة 66 ٪ عن عام 2019.
هذا التوجه تواصل حيث اشترى الأمريكيون خلال شهري يناير وفبراير من عام 2021 أسلحة نارية أكثر مما كان الحالي عليه في نفس الفترة من جميع السنوات السابقة. وجرى في يناير وحده، بيع حوالي 2.5 مليون قطعة سلاح. وكان شهر يناير تعام 2021، ثالث أكبر شهر في مبيعات الأسلحة بعد يونيو ويوليو 2020، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
هذا الحال يزداد سوءا مع بقاء الوضع التقليدي الراسخ "لحرية" اقتناء الأسلحة في الولايات المتحدة بقوة على الرغم من استفحال العنف المسلح الداخلي، حتى أن الإحصاءات تؤكد أن الأمريكيين لديهم أسلحة في بيوتهم تفوق عددهم بكثير.