الثبات ـ دولي
عبر التاريخ وفي أكثر من محنة كبرى أثبتت روسيا أنها قادرة على تحمل أشد الأزمات وأشرس الغزوات وأنها قد تخسر معركة، لكنها بنهاية المطاف تنتصر في الحرب.
الأراضي الروسية كانت تعرضت لدمار هائل حين غزت الجيوش النازية الاتحاد السوفيتي فيما يعرف محليا بالحرب الوطنية العظمى التي بدأت في 22 يونيو 1941 باجتياح أراضيه وانتهت في منتصف عام 1945 في عقر دار الزعيم النازي ادولف هتلر برلين.
هتلر كان برر ذلك الغزو الوحشي في خطاب وجهه للألمان، زاعما أن الروس وبتحريض من الانجلوساكسون أرادوا مهاجمة ألمانيا، وهو بادر بالهجوم لإنقاذ أوروبا من خطر وقوعها في قبضة البلاشفة.
مذكرة رسمية السفير الألماني في موسكو فيرنر فون دير شولنبرغ رددت المزاعم ذاتها بقولها: "في ضوء التهديد الإضافي الذي لا يطاق والذي تشكل على الحدود الشرقية الألمانية نتيجة للتركيز والتدريب الهائل لجميع القوات المسلحة للجيش الأحمر، تعتبر الحكومة الألمانية نفسها مضطرة لاتخاذ تدابير عسكرية مضادة على الفور".
بدأت ألمانيا النازية حربها المدمرة ضد الاتحاد السوفيتي في 22 يونيو 1941، ومع نهاية العام، تقدمت الجيوش النازية مئات الكيلومترات واقتربت من ضواحي موسكو.
لم يكن ذلك الغزو خطوة مؤقتة أو طارئة، كان عملا هائلا أريد به تدمير الاتحاد السوفيتي بشكل نهائي، والسيطرة على "فضاء حيوي معيشي" للألمان الذين خطط لإسكانهم في المنطقة بعد إبادة أهلها.
ذلك الغزو الرهيب والذي بدا بعملية تحت اسم "بربروسا"، كان أكبر عملية عسكرية في التاريخ الحديث، وشاركت فيه قوات ألمانيا يتجاوز تعدادها مع قوات حليفاتها ثلاثة ملايين ونصف الملون جندي.
حرب الإبادة التي بدأها النازيون على الاتحاد السوفيتي، أصبحت نقطة تحول في تاريخ الحرب العالمية الثانية بكاملها، في مياديها انتهت أسطورة الجيش الألماني الذي لا يقهر، وكانت بمثابة بداية النهاية لألمانيا النازية.
أهداف الغزو النازي لروسيا وعموم الاحاد السوفيتي:
تدمير الاتحاد السوفيتي بالوسائل العسكرية.
القضاء النهائي على التهديد الذي يزعم أن الشيوعيين يشكلونه على ألمانيا.
الاستيلاء على أفضل أراضي الاتحاد السوفياتي باعتبارها "المجال الحيوي" لتوطين المستعمرين الألمان.
كان ذاك الغزو عملية تدمير شامل شاركت فيها 134 فرقة ألمانية، ووضعت 73 فرقة أخرى في حالة استعداد للانتشار خلف خط المواجهة.
الحرب ضد الاتحاد السوفيتي بدأت بعد أقل من عامين من توقيع اتفاقية عدم اعتداء ألمانية سوفيتية. وقد هاجمت ثلاث جيوش نازية الاتحاد السوفيتي على جبهة واسعة، ساندتها قوات من حليفتي ألمانيا، فنلندا ورومانيا بلغ عددها تم 650 ألف جندين وفي وقت لاحق انضمت لعملية الغزو وحدات إضافية من إيطاليا وكرواتيا وسلوفاكيا وهنغاريا، وامتدت جبهة الحرب المدمرة من بحر البلطيق في الشمال إلى البحر الأسود في الجنوب.
حرب الإبادة ضد الاتحاد السوفيتي بدأها هتلر بعد هزيمة فرنسا، وحينها لم يتبق ضد النازيين الألمان في أوروبا الغربية إلا بريطانيا.
انتقل هتلر إلى الهدف التالي الرئيس والمتمثل في توسع ألمانيا على الجبهة الشرقية وإقامة مجال حيوي معيشي من شأنه ضمان هيمنة الألمان بشكل نهائي، واستبدال السكان الأصليين السلافيان الذين عدهم النازيون أقل شأنا بالألمان، الجنس الرفيع.
بعملية "بربروسا" ضد الاتحاد السوفيتي، الذي كان يعتبر العدو اللدود، كان يتوهم هتلر أنه سيكرر الحرب الخاطفة التي مكنته من احتلال معظم أوروبا الغربية في أيام معدودة.
علاوة على كل ذلك، كانت الحملة العسكرية الألمانية الجرارة ضد الاتحاد السوفيتي من تداعيات تواطئ بريطانيا وفرنسا، اللتين غازلتا هتلر لفترة طويلة وقدمت له تنازلات تلو أخرى.
يظهر ذلك في سياسة الاسترضاء التي اتبعها بريطانيا وفرنسا عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، بهدف اتقاء شر هتلر ودفعه إلى اشباع طموحاته بعيدا عن أراضيهما، وخاصة في اتجاه الاتحاد السوفيتي.
تجلى هذا الموقف بوضوح في تصريح نيفيل تشامبرلين، وزير خارجية بريطانيا في ذلك الوقت والذي قال فيه: فكروا في الأمر، هل لدينا ذريعة لبدء حرب؟ لا أعتقد ذلك. هذا الصباح كنت أطير فوق نهر التايمز وتخيلت برعب أن قاذفة ألمانية قد تظهر في سمائنا. ليس لدينا خيار... سيتعين علينا السماح لألمانيا باحتلال سوديتنلاند ( إقليم يقع في غرب التشيك على الحدود مع ألمانيا) لأننا لا نملك القوة لمنعها".
بطبيعة الحال يحاول الغرب باستماتة إلقاء اللوم على القيادة السوفيتية فيما حدث، ويتجاهلون تماما تملق قادة الغرب لهتلر في ذلك الوقت وتغذيتهم شهيته بالتنازل له عن أراضي الآخرين، وفي النهاية توجهت جيوش ألمانيا نحو الاحاد السوفيتي، وتحطمت على صخرة روسيا الصلبة، وتنتقل الحرب بفضل تضحيات السوفييت إلى برلين، ولا يجد هتلر من مفر إلا الانتحار.