"لا أزال أسمع هدير الطائرات".. شاهدة عيان على مذبحة استمرت يومين تفضح تفاصيلها

الخميس 01 حزيران , 2023 09:55 توقيت بيروت دولــي

الثبات ـ دولي

قالت فيولا فليتشر وهي تغالب ثقل سنوات عمرها المئة وسبعة: "لا أزال أشم رائحة الدخان وأرى النار وأجسادا سوداء ملقاة على قارعة الطريق، لا أزال أسمع هدير الطائرات في سماء المجزرة".

فليتشر مضت تسرد أمام الكونغرس الأمريكي ما جرى، مشيرة إلى أنها لن تنسى "أبدا عنف الغوغاء البيض حين غادرنا منزلنا، ولا زلت أرى أشخاصا سود يطلق عليهم الرصاص، ومؤسسات للسود تحترق".

الشاهدة الطاعنة في السن خاطبت أعضاء الكونغرس الأمريكي قائلة: "يمكن لبلدنا أن ينسى هذه القصة، لكنني لا أستطيع. لن أفعل ذلك، والناجون الآخرون لن يفعلوا ذلك، وأحفادنا لن يفعلوا ذلك. عندما أجبرت عائلتي على مغادرة تولسا، فقدت فرصة الحصول على تعليم. لم أكمل المدرسة بعد الصف الرابع.. بلدي والدولة والمدينة اتخذت الكثير بعيدا عني. على الرغم من ذلك، قضيت وقتا في دعم المجهود الحربي في أحواض بناء السفن في كاليفورنيا. لكن عملت في معظم حياتي خادمة منزلية لدى العائلات البيضاء. لم أجن الكثير من المال. حتى يومنا هذا، بالكاد أستطيع تأمين احتياجاتي اليومية. طوال هذا الوقت، استخدمت مدينة تولسا بشكل غير عادل أسماء وقصص الضحايا مثلي لإثراء نفسها وحلفائها البيض بمبلغ 30 مليون دولار جمعته لجنة تولسا المئوية بينما ما زلت أعيش في فقر".

لم تكن هذه السيدة المسنة أجنبية، تستغيث بالكونغرس الأمريكي ليأخذ لها الجيش الأمريكي حقها من غزو تعرضت له بلادها، بل هي مواطنة أمريكية تكشف لبلادها عن وقائع مجزرة رهيبة قام بها البيض بتواطؤ مع السطات والحرس الوطني، ضد السود في مدينة تولسا بولاية أوكلاهوما عام 1921.

مجزرة بشعة جرى التستر عليها من قبل السلطات الرسمية ووسائل الإعلام، في محاولات استماتت لطمسها وحتى إنكارها على مر عقود من الزمن.

المذبحة وقعت قبل أكثر من مئة عام، حين هاجم البيض وحملوا كل ما لديهم من أسلحة بما في ذلك طائرات خفيفة، تدرب عدد منهم على قيادتها أثناء مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى، وقاموا بمهاجمة منطقة يسكنها السود في مدينة تولسا بأوكلاهوما، وألقوا قنابل من الجو على متاجر ومطاعم السود، في واحدة من أكثر حلقات العنف العنصري دموية وتكتما في تاريخ الولايات المتحدة.

استمرت المذبحة يومين 31 مايو و1  يونيو 1921، وكانت قوات الحرس الوطني في المدينة المنكوبة، تطوق جموع السود الفارة من العنف الدموي وتقيد حركتها، فيما كان القتلة البيض يصولون ويجولون على الأرض وحتى في الأجواء بحرية كاملة.

بدأت الأحداث بمناوشة جرت مساء يوم 31 مايو 1921 بالقرب من محكمة مقاطعة تولسا، حيث تجمع سكان المدينة البيض، وطالبوا العمدة بأن يسلمهم شابا أسود محتجزا للاشتباه في مهاجمته فتاة بيضاء، كي يقتصوا منه بإعدامه خارج نطاق القانون. تلك الجريمة لم يتم الكشف عن ملابساتها، وكانت تدور حول شبهة اعتداء على شابة في مصعد بمتجر أوائل عام 1920.

تجمع سكان مدينة تولسا السود لحماية المعتقل. اشتد الموقف وجرى تبادل قصير لكنه مميت لإطلاق النار خارج قاعة المحكمة.

عقب ذلك هرع حشد من مثيري الشغب البيض مسلحين بالبنادق إلى ضاحية "غرينوود" الشمالية في تولسا حيث كان يعيش السود في حي مكتظ.

هناك، بدأت المذبحة وأطلق المهاجمون البيض النار على سكان "غرينوود" وقاموا بإشعال النيران في المباني، بما في ذلك إلقاء متفجرات من الطائرات الخفيفة.

احترقت العشرات من محلات السود التجارية والمطاعم والمقاهي وغيرها، علاوة على العديد من الكنائس، ومدرسة ومستشفى وأكثر من ألف مبنى سكني، فيما لم يتدخل الحرس الوطني لوقف الذبحة إلا بعد ظهر 1 يونيو.

تقارير صحفية أولية تحدثت في ذلك الوقت عن سقوط "عشرات" من الضحايا، معظمهم من السود، وعن عدد قليل من البيض قتلوا في تبادل لإطلاق النار، إلا أن التحقيقات اللاحقة اشارت إلى سقوط حوالي 300 شخص، وآلاف من الجرحى.

إحصاء الضحايا بين السكان الأمريكيين من أصول أفريقي كان متعذرا للغاية، لأن المستشفى الوحيد في القسم الأسود من المدينة، حيث كانت توجد السجلات الرسمية للضحايا، احترق نتيجة الهجمات بالقنابل.

لعقود عديدة، تم محو الأحداث في تولسا من التاريخ، لم يتم الحديث عنها تقريبا في الصحف، ولم يتضمنها أي كتاب مدرسي. رحل الأمريكيون الأفارقة الأثرياء عن مدينة تولسا، وانخفضت أعداد السود هناك تدريجيا.

اما التحقيق الرسمي بشأن المذبحة فقد بدأ فقط بعد 75 عاما، وحصل ذلك تحديدا في عام 1996، حين لم يبق تقريبا أي من شهود العيان على قيد الحياة، فيما تم إدراج مذبحة تولسا في المناهج المدرسية عن التاريخ في أوكلاهوما في عام 2020.

محاولات أخرى استمرت، وتركزت على التقليل من عدد القتلى في المذبحة، وحجم الدمار الذي تعرضت له ممتلكات السود، وجرى رسميا حتى وقت قريب، إنكار المعلومات بشان استخدام طائرات في إسقاط قنابل حارقة على المنازل والكنائس والمحلات التجارية.

لم يتبق من شهود المذبحة إلا سيدتين تجاوزت أعمارهما المئة. الناجية الثانية تدعى ليزي إيفلين بينينغفيلد راندل، وكانت تبلغ من العمر 106 أعوام في الذكرى المئوية للمذبحة عام 2021.

الناجية الثانية، خاطبت في تلك المناسبة، أعضاء الكونغرس قائلة: "يعني لي الكثير بالنسبة أن أكون قادرة أخيرا على النظر في أعينكم جميعا، وأن أطلب منكم فعل الشيء الصحيح. لقد كنت أنتظر العدالة لفترة طويلة".

العدالة لم تتحقق حتى الآن، ولم تتم تلبية طلبات التعويض على مدى العقدين الماضيين من قبل سلطات ولاية أوكلاهوما والحكومة المركزية الأمريكية، لا يزال المتاح، دموع تترقرق على وجنتين شاحبتين لسيدتين طاعنتين في السن، لا تزالان حائرتين وتتساءلان لماذا تأخرت العدالة كل هذا الوقت؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل