الثبات ـ منوعات
بالنظر إلى جيرارد ديبارديو الصغير، لا بد أن يتساءل البعض: من أين لديه مثل هذا الأنف الأفطس؟!
قالوا: لا بد أن الصبي كان يشبه والده! لكن اتضح أن الأب لا علاقة له به على الإطلاق، كما هو الحال في آلاف الحالات الأخرى عندما يولد طفل بأنف سيرانو دي برجيراك أو بينوكيو، لأننا نحصل على أنف طويل كبير، لأنه ذات مرة، منذ زمن طويل، أخطأت جداتنا مع إنسان نياندرتال، على الأقل - هذا ما يزعمه فريق دولي من العلماء، ونشر مؤخرا دراسة مثيرة في مجلة Nature.
وقد شارك علماء الوراثة من بريطانيا والصين وفرنسا والأرجنتين وتشيلي وبيرو وكولومبيا والمكسيك وألمانيا والبرازيل في هذا البحث العلمي الواسع النطاق.
وقام العلماء بفحص 6000 متطوع وقارنوا كيفية ارتباط مناطق معيّنة من جينومهم بسمات وجوههم. وقام الباحثون بعمل خريطة وظائف الأعضاء باستخدام 34 نقطة رئيسية في الوجه، وتحديد المسافة بين العينيْن، والحاجبيْن وحجم الشفاه وارتفاع الوجه وما إلى ذلك. وأثناء التحليل تم تحديد 26 قسما من الحمض النووي تتحمل المسؤولية عن خصائص معيّنة للمظهر. وعلى وجه الخصوص، فإن أحد الجينات - ATF3 - هو أحد مهندسي أنفنا. وفي الحالات التي تبيّن فيها أن مساهمة ATF3 كانت حاسمة، ينمو أنف كبير جميل على وجه مواطن أو المواطنة. ونشاط هذا الجين مكتوب على الوجه: السمة المميزة هي ارتفاع الأنف، أي المسافة من أعلى نقطة إلى بداية الشفة العليا. وتعتبر هذه المَعلمة من السمات الرئيسية التي تميّز جمجمة الإنسان البدائي عن جمجمة الإنسان المعاصر.
فلماذا احتاج إنسان نياندرتال إلى مثل هذا الأنف الكبير؟ - يعتقد العلماء أن شكل الأنف هو نتيجة للانتقاء الطبيعي. فأنوف النسر لدى القوقازيين والأشكال المصغرة لدى الشعوب الأصلية في الشمال ليست سوى طرق للتكيف مع الظروف المناخية حيث يعيش هذا الشعب أو ذاك.
ويوضح أحد مؤلفي الدراسة، البروفيسور تشينغ لي من جامعة "فودان" الصينية: "تساعدنا أنوفنا في تنظيم درجة حرارة ورطوبة الهواء الذي نتنفسه". لذلك تختلف أشكال الأنف لدى مختلف الشعوب. والخيارات التي ساعدت على البقاء وقدمت أفضلية تم تناقلها من جيل إلى جيل".
ويحتوي جين ATF3 أيضا على علامات للانتقاء الطبيعي. حسب العلماء فإن الإنسان المعاصر (Homo Sapiens ) ورث هذا الجزء من الجينوم من إنسان نياندرتال. لقد ساعد الناس على التكيف مع المناخ الأكثر برودة عندما غادر أسلافنا إفريقيا وذهبوا لاستكشاف مناطق جديدة في أوروبا وآسيا، حيث عاش إنسان نياندرتال في ذلك الوقت. وكالعادة في مثل هذه الحالات، بدأ الجيران بالمشاركة في القصص الرومانسية بعضهم مع بعض. ومنذ تلك الأوقات الرومانسية، بقي نحو 1-2٪ من جينات الإنسان البدائي في الحمض النووي للإنسان المعاصر.
لكن الأفارقة الذين لم يغادروا مهد البشرية ولم يخطئوا مع أحد ليس لديهم أجزاء من الجين المذكور. فمن أين، إذن، لديهم مثل هذه الأنوف البارزة؟ لم يُجب العلم بعد على هذا السؤال، لكن من الواضح أن إنسان نياندرتال لا علاقة له بذلك.