الثبات ـ من ذاكرة التاريخ
كان ممثل شركة "هخشرات هييشوف" يجول بقرية الطنطورة، محادثًا زوجته، يصف جمال طبيعتها، يقفز من فوق جثث شهدائها، غير آبهٍ برائحة الموت المنبعثة من الجثث.
كان ذلك في اليوم التالي لاحتلال الطنطورة، غرب حيفا، وارتكاب أعتى مجزرة إسرائيلية فيها، بتاريخ نكبة الشعب الفلسطيني.
وضمن ملف أطلقته وكالة الصحافة الفلسطينية، لكشف مجازر مخفية في أرشيف "إسرائيل"، ولدى خبراء وشهود على مجازر الاحتلال، تسلط الضوء على تفاصيل جديدة "ومريبة" حول ما حدث ببلدة الطنطورة، والجريمة المنظمة في نهب غنائمها.
حسد النفوس ومجزرة الجنود
ويقول المختص بالكشف عن ملفات مجازر الاحتلال المخفية، سيما ملف الطنطورة، جهاد أبو ريا: "كان سكان زمرين المعروفة بزخرون يعكوب، اليهود يحسدون أهل الطنطورة على رخائها".
ويضيف: "أرض الطنطورة خصبة والبيوت المبنية من الحجر المطلة على شاطئ البحر، حتى أنهم أطلقوا عليها لقب لؤلؤة البحر".
ولكن، وما أن علم اليهود في "بزخرون يعكوب"، بسقوط الطنطورة إبان النكبة حتى هرعوا إلى البيوت يسلبون أثاثها، والملابس والسجاد الفاخر واللوحات الفنية ومخازن المحاصيل.
مشاركة الجنود
ويروي أن عمليات النهب تلك، كانت تتم بوجود جنود الاحتلال في المكان، والذين بدورهم أخذوا يشاركون اليهود الجدد، في أعمال السلب والنهب.
وجاء أن "الأمر-النهب والسلب- ظل مستمرًا في القرية، إلى حين تم إصدار أمر عسكري يلزم الجنود بنقل ما تبقى من الغنائم إلى مركز تخزين في أطراف البلدة".
رسالة أحد المجرمين
وبعد نحو أسبوعين من احتلال الطنطورة، حضر إليها ممثل شركة "هخشرات هييشوف"، وهي شركة وظيفتها توطين القادمين اليهود الجدد، وكان اسمه "حاييم جافتي"، من "كيبوتس جيفت" في مرج ابن عامر.
و"حاييم" شخصية مهمة في حزب "مباي"، وأصبح لاحقاً وزير الزراعة، وكان هدفه فحص إمكانية توطين اليهود في البلدة.
ويكشف أبو ريا عن فحوى رسالة كتبها حاييم: "بعد يوم من زيارته كتب إلى زوجته، رسالة يلخص بها زيارته، يقول فيها: إنها لؤلؤة فريدة".
ويضيف: "يوجد فيها كل المواصفات اللازمة لإقامة قرية بحرية كبيرة، تضم أراضٍ خصبة وشاطئها يشع سعادة لا توصف، ليس لها مثيل وينتظرها مستقبل عظيم".
كما جاء في رسالته: "كل شيء جميل هنا، عدا شيءٌ واحد، أن كل هذا ليس من حقنا، فهذه الأراضي عربية، ورغم أنه تم تفريغها من سكانها، إلا أننا لا نستطيع رؤية هذا المكان كمستوطنات لنا".
حصان أصيل واستكمال التهجير
وفي طريق عودته من الطنطورة، شاهد حاييم حصانًا عربيًا أصيلاً يقف مطأطئ الرأس بجانب بيت في البلدة، بعيدًا عن مركز التخزين الذي جمعت به باقي الغنائم، والذي قيل له في الطريق، إن لهذا البيت صاحب يرفض مغادرته.
ويُروى أنه "بعد ثلاثة أيام نشرت جريدة دافار، خبرًا يتناول زيارة حاييم جافتي إلى الطنطورة، مما جاء فيه "أن زيارة حاييم جافتي كانت تهدف إلى كيفية تقسيم الـ 15 ألف دونم، ملك أهل الطنطورة، بين الكيبوتسات المختلفة".
وبعد خمسة أيام من زيارة حاييم جافتي، نقلت الحافلات الركاب اليهود من "كريات حاييم" إلى الطنطورة، مع العلم أن أولئك اليهود كانوا من الجدد.
ويؤكد شهود أن القادمين انبهروا من جمال الطنطورة، وقرروا إقامة كيبوتس أسموه "نحشوليم" والتي تعني "أمواج"، معلنين نيتهم على العمل في الصيد.
وبعد دخولهم القرية بدأ المستوطنون الجدد تقسيم الغنائم بينهم، والتي لم يكمل سكان "زمرين زخرون يعكوب" سلبها.
ويفيد أبو ريا: "في ذلك اليوم الذي أعلن به القادمون الجدد عن إقامة الكيبوتس كانت قوات الاحتلال تطوق قرية الفريديس المجاورة، بعدما استلمت قيادة المنطقة قراراً يتوجّب تنفيذه بعد يومين، يأمرهم بتهجير أهلها".
كما تضمن القرار أن "على كل المركبات والمرافقين التواجد على طريق تل أبيب حيفا في مدخل الفريديس في موعد أقصاه 18-6-1948، تمام الساعة الثامنة صباحًا"، لتهجير الأهالي قسرًا.
يُذكر أن مجزرة الطنطورة ارتُكبت في مايو 1948 وهو عام النكبة الذي يُحيي الشعب الفلسطيني ذكراها الـ75.