الثبات ـ منوعات
ماذا يحدث في دماغك يا ترى عندما تقرأ هذه السطور الآن؟ إجابة هذا السؤال تنطوي على فوائد مهمة للغاية؛ فعندما يقرأ الشخص جملة ما، يتم تنشيط شبكتين متميزتين في الدماغ، تعملان معاً لدمج معاني الكلمات الفردية؛ للحصول على معنى أكثر تعقيداً وأعلى ترتيباً.
هذا الاكتشاف المهم نُشر مؤخراً في دراسة جديدة بدورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم"، أجرّاها باحثون من كلية ماكغفرن الطبية بجامعة تكساس في هيوستن.
ما الذي يحدث في الدماغ؟
الدكتور أوسكار وولنو، قائد الدراسة، أوضح الفوائد التي تعود من وراء نتائجها، إذ يقول:
• في معظم الأوقات عندما يدرس الباحثون مراكز اللغة في الدماغ، فإنهم يستخدمون إجراءات غير جراحية، مثل قياس نشاط الدماغ باستخدام فحص التصوير بالرنين المغناطيسي. تخبرنا هذه الطريقة بمكان حدوث النشاط، ولكننا نحصل فقط على صورة محدودة جداً لما يحدث في بضع ثواني.
• في الدراسة الجديدة، جمعنا البيانات من خلال العمل مع الأشخاص الذين لديهم أقطاب كهربائية مزروعة في أدمغتهم كجزء من علاج الصرع، واستطعنا من خلالها تحديد مكان النشط والأهم، التوقيت، بدقة نصف ميلي ثانية، مما يسمح لنا بدراسة كيف تتواصل مناطق الدماغ هذه مع بعضها البعض، ويعطينا صورة أكثر ديناميكية لتدفق المعلومات عبر الدماغ أثناء القراءة.
• وجدنا شبكتين متميزتين للدماغ، موزعتان عبر الفصوص الأمامية والصدغية، لكل منها دور منفصل في معالجة اللغة.
• أظهرت الشبكة الأولى التنشيط التدريجي عندما يقوم الشخص ببناء معنى معقد عند قراءة الجملة. تستخدم الشبكة الثانية سياق الجملة لتسهيل فهم ومعالجة كل كلمة جديدة تتم قراءتها.
ما أهمية الاكتشاف؟
• يقول قائد الدراسة إنّ جهدهم البحثي وثيق الصلة بالأشخاص المصابين بالحبسة الكلامية، وهو اضطراب في القدرة على فهم اللغة بدقة أو إنتاجها بطلاقة.
• تؤثر الحبسة الكلامية على واحد من كل ثلاثة على الأقل من بين أكثر من 10 ملايين حالة سكتة جديدة في جميع أنحاء العالم كل عام.
• يمكن أن تحدث الحبسة الكلامية أيضاً نتيجة لأورام الدماغ أو إصابات الرأس، وهي ذات الحالة المرضية التي أصابت الممثل الأميركي بروس ويليس مؤخرًا عن إصابته بها، كما أن الممثلة الإنجليزية إميليا كلارك إحدى بطلات العمل الدرامي الشهير لعبة العروش، كانت لديها مشاكل مع فقدان القدرة على الكلام في الماضي.
• من خلال فهم أفضل لكيفية عمل مراكز اللغة في الدماغ، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل العمليات التي يتم تعطيلها في أنواع مختلفة من فقدان القدرة على الكلام، ونأمل في تطوير علاجات أكثر فعالية لمساعدة الأشخاص على استعادة قدرتهم على استخدام اللغة.
علاج عُسر القراءة
ويأمل الباحثون في أنّ تتمكن جهودهم البحثية في التوصل إلى خيارات علاجية لاضطراب القراءة (عُسر القراءة)، الذي يؤثر على ما يقرب من 15 بالمئة من سكان الولايات المتحدة.
بحسب منصة مايو كلينك المختصة في الشؤون الطبية فإن عسر القراءة هو:
• أحد اضطرابات التعلم، ويشمل صعوبةً في القراءة بسبب وجود مشكلات في التعرف على أصوات الكلام ومعرفة مدى صلتها بالحروف والكلمات (تفكيك رموزها). يحدث عسر القراءة، المعروف أيضاً إعاقة القراءة، بسبب فروق فردية في مناطق الدماغ التي تُعالج اللغة.
• لا يحدث عُسر القراءة نتيجة مشكلات تتعلق بالذكاء أو السمع أو البصر. ويمكن لمعظم الأطفال المصابين بهذا الاضراب النجاح في الدراسة، بالاعتماد على التدريس الخاص أو برنامج تعليمي تخصصي. كما يؤدي الدعم المعنوي دوراً مهماً أيضاً.
• رغم عدم وجود علاج لعُسر القراءة، إلا أن التقييم والتدخل المبكرين يؤديان إلى أفضل النتائج. وقد يستمر عُسر القراءة أحيانً بدون تشخيص لسنوات، ولا يكتشف حتى سن البلوغ، ولكن يمكن تلقي المساعدة في أي مرحلة.
ماذا بعد؟
يشير الدكتور أوسكار وولنو إلى أنّ فريقه البحثي يعمل حالياً مع مرضى ثنائيي اللغة؛ لمعرفة ما إذا كانت هذه الشبكات تعمل بنفس الطريقة أو بشكل مختلف عبر كل لغة من لغاتهم.
ويقول إن بعض الدراسات الحديثة كشفت أن جميع اللغات تنشط – على ما يبدو - في نفس مناطق الدماغ لدى الأشخاص الذين يتحدثون بها، ومع ذلك، في بعض الأحيان عندما يعاني الأشخاص ثنائيو اللغة من إصابات في الدماغ، تتأثر لغة واحدة فقط من لغاتهم.
يستطرد: "نريد أن نرى مقدار التداخل الموجود في كل من هذه الدوائر لجميع اللغات التي يمكن للأشخاص قراءتها، بما في ذلك الأشخاص الذين يمكنهم قراءة أبجديات متعددة، مثل الأبجدية العربية والأبجدية اللاتينية".