الثبات ـ منوعات
تؤدي دودة الأرض التي امتدحها أرسطو وقدّستها كيلوباترا واهتم داروين بدرسها علمياً، دوراً أساسياً في صحة التربة والتنوع الحيوي، لكنّ بقاءها اليوم معرّض للخطر بفعل عوامل عدة أهمها الزراعة المكثفة.
ويقول الكاتب الفرنسي والمهندس الزراعي السابق كريستوف غاتينو إنّ الأشخاص "يتعاطفون مع وضع الكلاب والقطط أو حالة الفيلة أو الدلافين أو الذئاب لأنّ هذه الحيوانات تذكّرهم بشخصيات من الرسوم المتحركة، لكن كيف لهم أن يدركوا أهمية دودة الأرض وهم يعيشون بعيداً من التربة؟".
لدودة الأرض دور بالغ الأهمية في التنوّع البيولوجي. ويقول غاتينو (61 عاماً) الذي حقق أول كتب له بعنوان "مدح دودة الأرض" ("Eloge du ver de terre") المنشور عام 2018 نجاحاً كبيراً في المكتبات الفرنسية، "إنّ دودة الأرض بمثابة مهندسة للتربة وهاضمة لها بالإضافة إلى أنها تغذّيها وتحرثها وتجدّدها"، وتمثل تالياً مصدراً للدورة الغذائية.
وهذا الكاتب المتحدر من عائلة تعمل في المجال الزراعي، يستمتع اليوم بالاعتناء بحديقته الصغيرة في أوت-فيين وسط فرنسا. ويومياً، يرى على رأس مجرفته حيوانه المفضل وهو يخرج من التربة.
ويشير غاتينو إلى وجود أنواع كثيرة من ديدان الأرض، إذ تضم فرنسا 150 نوعاً من أصل 6 إلى 7 آلاف نوع في مختلف أنحاء العالم. ومن بين ديدان الأرض الشائعة، ثمة نوع يعيش فوق سطح التربة ونوع يعيش داخل التربة ويبقى فيها، بالإضافة إلى نوع ثالث يعيش في أعماق التربة.
ويقول غاتينو إنّ ديدان الأرض هي "نجمات التربة. ومن خلال المسار العمودي الذي تحفره، يمكن للمياه أن تتسرّب إلى داخل التربة، من هنا أثر الديدان المباشر على مسامية التربة"، ويشير إلى أنّ هذه الحيوانات تلعب دوراً في إعادة تدوير العناصر الغذائية لتغذية النباتات من خلال برازها".
ويضيف "صادفت في صباح أحد الأيام دودة أرض، ولاحظت أنها تضع عشباً في فمها. وبخطوة تنطوي على غباء، حاولت إزالتها من فمها، وبأجزاء من الثانية حصل تواصل بيننا، إذ عندما حاولت سحب العشب قاومتني وكأنها تقول لي +كلا لا تفعل+، عندها ذُهلت وقررت أن أبدأ الكتابة عن ديدان الأرض وأتولّى الدفاع عن وجودها وأهميتها".
ومذّاك، بات غاتينو مدافعاً عن هذه الحيوانات ولم يوفّر أي وسيلة ترمي إلى ذلك، بدءاً من كتابة مدونات وكتب وصولاً إلى نوجيه رسائل إلى السياسيين.
ويقول "عندما كنت أصغر سناً، كانت التربة حيّة والمياه وفيرة، وبدا أنّ هذا الوضع لن ينتهي. لكن في أحد الأيام، بدأت التربة تجف والديدان تختفي. وفي جيل واحد، (...) اختفت كل المشاهد التي تعود إلى طفولتي".
ويشير إلى أنّ سبب ذلك يعود إلى تطوّر الأنشطة الزراعية، ويقول "إنّ حرث الأراضي بصورة منتظمة واستخدام مواد كيميائية ممارستان غير ملائمتين لديدان الأرض".
ويضيف إنّ هذه الحيوانات تتعرض "لعملية تسمم على المدى البعيد وتنفق جوعاً"، مشيراً إلى أنّ كمية الديدان التي كانت تعيش في الهكتار الواحد من الأراضي المزروعة كانت تُقدّر قبل خمسين إلى ستين سنة بالطن الواحد، مقابل 200 كيلوغرام وأحياناً أقل في المرحلة الراهنة".
وللاحترار المناخي دور في انخفاض عدد ديدان الأرض لأنّ "هذه الحيوانات ولكي تكون قادرة على تناول الغذاء والعيش بالطريقة المناسبة، تحتاج إلى مستوى معين من الرطوبة في الهواء وداخل التربة"، بحسب غاتينو.
ويعتبر المهندس أنّ إخضاع الديدان لوضع قانوني معيّن يمثل خطوة أولى لحفظ هذه اللافقاريات وإبقائها على قيد الحياة.
ويقول إنّ "دودة الأرض غير خاضعة لأي قانون (...) ومن اللحظة التي تبدأ فيها القوانين بتناولها، قد نتمكن من تطوير الأدوات الزراعية وتقييم استخدام المبيدات وغير ذلك من الممارسات. لكنّ الخطوة الرئيسة تتمثل في الاعتراف بأهميتها".