أقلام الثبات
وجه مجلس النواب رسالة سلبية، لما تبقى من تفاؤل ومراهنة لدى اللبنانيين، على معجزة تدفع أهل السلطة والحكم لإنقاذ لبنان، بتوجه النافذين فيه لبناء دولة، بدلاً من مزرعة الطوائف القائمة ومحاصصاتها التي تنتج الفساد وترعاه، باعتباره حصة هذه الطائفة أو تلك، ينوب عنها زعيمها أو زعماؤها لا فرق، في الإستيلاء عليها واستغلالها في نمط ينسحب على الجميع.
صحيح أن اللبنانيين تعودوا أن الأكثريات النيابية طالما خيبت آمالهم التي عقدوها عليها، فمجلس النواب هو الذي شرّع خصخصة وسط العاصمة وواجهتها البحرية. وهو الذي قونن الإستدانة بالعملات الصعبة. لكن أن يرفض مجلس النواب بنداً ينصّ على الزام المتعدين على الأملاك البحرية، تسديد ما عليهم من رسوم وغرامات، تحت طائلة ختم أشغالهم غير القانونية على تلك الأملاك بالشمع الأحمر، فهذا قرار واضح من أكثرية النواب، بأنهم أرباب الفساد في هذه الدولة وحماة تلك التعديات، التي تأخذ من درب الخزينة العامة ملايين الدولارات. فهل أبقى هؤلاء أي أمل لدى اللبنانيين بإصلاح ما أو بخطة معافاة، أو سبيل معيّن لإخراج لبنان واللبنانيين من الأزمة المالية والضائقة الإقتصادية التي تطبق على أعناقهم، بسبب الهدر والسرقات التي مارسها النافذون طوال العقود الماضية.
وكان وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية، قد أكد في تصريح له، قبل جلسة إقرار موازنة سنة 2022: بأنّ "المال العام هو حق للدولة ولا يمكن التهاون بشأنه، وبناء عليه فقد أشرنا في الموازنة العامة على الآتي: كلّ شاغل للأملاك البحرية يتخلف عن سداد ما يتوجب عليه وفقاً للقانون، ستقوم الإدارة المختصة بختم الموقع بالشمع الأحمر وبشكل نهائي".
وبلغ الطموح بالوزير حمية، أنه قال في تصريحه: "أنّنا نتّجه إلى رفع سعر المتر المربّع في الأملاك العامّة البحريّة، لزيادة إيرادات الدّولة". مشيرًأ إلى أنّه "بموجب القانون، أصبح الدّفع إلزاميًّا، والأملاك الّتي ستُختم بالشّمع الأحمر لعدم الدّفع ستُطرَح في المزادات العلنيّة".
وأضاف خلال فترة "مباشر" في نشرة أخبار "المنار": ان"الأملاك البحرية هي أولوية، بعد المرافئ والمطار، لزيادة ايرادات الدولة اللبنانية من دون المساس بجيوب الناس". كما لفت إلى أن موازنة وزارته المقررة لا تكفي لصيانة الطرق الرئيسية في البلاد.
لكن بين طموح الوزير وإرادة أكثرية أعضاء مجلس النواب، مسافة من الهدر والفساد والإستقواء على الشعب، جعلت إسقاط القرار أمراً لا ترف له جفون الذين صوتوا على إسقاطه.
والمستغرب، أن أحداً لم يستنكر ما جرى لهذا البند الجريء، في محاولة للفلفة إسقاطه. كما تجنب معظم الإعلام الحديث عنه، لولا أن كشف عنه صاحبه وزير الأشغال العامة، في حديث إذاعي. فكان حديثه عن إسقاط ذلك البند وصمت الآخرين، كافياً للقول أن توازنات مجلس النواب لا تميل أبداً لصالح المواطن اللبناني، بل هي في ثقلها إلى جانب أهل الفساد ممن إعتادوا على مد أياديهم إلى أموال الدولة وممتلكاتها.
والمخيف في هذا الأمر، أن الذين يديرون عمليات الهدر والسرقة والفساد في البلاد، هم الذين يفاوضون الموفد الأميركي-"الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين، لتحصيل حقوق لبنان التي مد العدو "الإسرائيلي" أياديه عليها، فهل مياه بحر الناقورة أغلى من مياه ضبية شكا وعكار، أو من مياه رأس بيروت وصور والدامور، أو أن أملاك الدولة في الداخل لا تدر مالاً على الخزينة، فيستولي عليها غيلان التسلط، فيما حقل قانا الوهمي سيكون الترياق الذي يطعم الجائعين إلى المال من أهل الحكم والسلطة؟ هي إشارات لا يمكن تجاهلها، حتى لا يفاجأ اللبنانيون بما سوف يخيب آمالهم من رهان على عدم التنازل أمام العدو الطامع القابع على الحدود الجنوبية.