الأخوة في الله ... سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه

الثلاثاء 08 شباط , 2022 05:02 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

أوصاني شيخي رحمه الله تعالى:

انطلاقاً من قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} سورة الحجرات-الآية 10، كان الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري حريصاً على الإخوة بين الطلاب في كلية الدعوة الجامعية، وكان ملتزماً بالنص الشرعي، لذلك لا يقبل أيّة مخاصمة بين طالب وآخر، وإن حصل ذلك يصلح بينهما، وهذا لا يأتي من فراغ، إنما يأتي من تربية علمية عملية دقيقة، تربى عليها الشيخ الجليل على أيدي شيوخ أجلاء، أمثال الشيخ الدكتور أحمد كفتارو رحمه الله.

كان الشيخ عبد الناصر جبري رضوان الله عليه يذكّرنا بالأخوّة فيما بيننا في مجالس أسبوعية نعقدها يوم الخميس ليلة الجمعة، نقرأ فيها أورادنا ذاكرين الله سبحانه وتعالى، شاكرين فضله العظيم، وننهي المجلس بتصافح الأيدي بعد أن نتعاهد بتقوى الله فيما بيننا. وهكذا طوال السنين التي مكثناها في المجمع التربوي.

من أهم ما كان يفعله في بداية العام الجامعي جمع الطلبة الجدد المنتسبين إلى الكلية مع الطلاب القدامى، وتعريفهم على بعضهم، ولفت نظرهم إلى تنوّع مشاربهم ومذاهبهم الفقهية والفكرية، قائلاً : ((هذا اختلاف وليس خلاف، وديننا واحد، وربنا واحد، ونبينا واحد، والقرآن واحد، لهذا لا خلاف بيننا))، محذّرًا إيّانا من الدخول في نقاشات دينية لا تسمن ولا تغني من جوع، ضارباً لنا الأمثال فيما حصل في ليبيا ومصر والعراق وسوريا مؤخّرًا، فالعدو الصيوأمريكي يعمل جاهدًا على بثّ السموم بغية تشويه سماحة الإسلام ورحمته.

هناك آيات وأحاديث بين لنا صور العداء ونتائجه وصور المحبة ونتائجها، ومنها: قال الله تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} سورة المائدة-الآية 28، وجاء في الأثر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه )) رواه مسلم ، وإذا ما خرجنا إلى نطاق أوسع، نجد من المحبة ما نجد إلا أنها مسميات دون أفعال، فالظلم والغيبة والنميمة موجودة، إلا أن الشيء الخطير في هذه الأيام هو أن تجالس شخصاً يمدحك في وجهك ويقدحك في ظهرك، وهذا ما كان يحذرنا منه سماحة الشيخ عبد الناصر جبري رحمه الله تعالى، وهذا ما كان يحذر منه المجتمع سواء في خطب الجمعة التي يلقيها في مسجد كلية الدعوة الجامعية أو عبر الدروس الأسبوعية في مسجد الكلية أو عبر الدروس الرمضانية التي كانت تعطى بموعظة قصيرة في صلاة التراويح، فالحذر الحذر من مكائد الشيطان ووساوسه وهواجسه، وليحب بعضنا بعضاً حباً حقيقياً صادقاً نابعاً من القلب. لنحرص دائماً أن نكون من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة-الآية 71، هذا حال المؤمنين الصادقين المخلصين النائبين التائبين القائمين الذاكرين الشاكرين المستغفرين الذين جعلوا من مجتمعاتهم جسداً واحداً متماسكاً تسوده المحبة والمودة والتسامح.

يجب على مجتمعاتنا أن تعود إلى هذه الخصال الطيبة؛ علّ الله سبحانه وتعالى يرفع عنا البلاء والوباء، وإن لم نفعل فسيؤدي ذلك إلى التفكك المجتمعي، وإن انعدام الحوار يؤدي إلى انتشار الفساد والاقتتال، وهنا الطامة الكبرى، حيث لا حياة ولا نجاة في الآخرة، لذا علينا الالتزام بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))، نبلغه في حلنا وترحالنا، نذكر الناس فيه؛ لتلين قلوبهم وتهدأ نفوسهم وتقر أعينهم فيزول الهم ويهزم الشيطان في مراده.

إن ما أواصانا به شيخنا أمر مهم في شرعنا الحنيف، وقد صدرت وصيّته من قلب نظيف طيب، لا يحمل غلاً، ولا يضمر غشاً، ولا يدعو إلى العدوان، رافضاً مبدأ "فرق تسد" الذي ينهجه الكثير في زماننا للأسف الشديد. رحم الله سيخنا وجعل محبتنا فيما بعضنا في ميزان حسانته، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، واغفر لنا وله إذا صرنا إلى ما صار إليه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل