الثبات - علوم إسلامية
أحكام العيد
كيفية صلاة العيد و وقتها
صلاة العيد سُنَّةٌ مؤكدة: واظب عليها النبي صلى الله عليه وآلـه وسلم، وأمر الرجال والنساء – حتى الحُيَّض منهن - أن يخرجوا لها.
ووقتُ صلاة العيد عند الشافعية: ما بين طلوع الشمس وزوالها، ودليلهم على أن وقتها يبدأ بطلوع الشمس أنها صلاةٌ ذات سبب فلا تُراعَى فيها الأوقات التي لا تجوز فيها الصلاة، أما عند الجمهور فوقتها يَبتدِئ عند ارتفاع الشمس قدر رمح بحسب رؤية العين المجردة - وهو الوقت الذي تحلُّ فيه النافلة - ويمتدُّ وقتُها إلى ابتداء الزوال.
والأفضل في مكان أدائها محلُّ خلافٍ بين العلماء: منهم مَنْ فَضَّل الخلاء والْمُصَلَّى خارج المسجد؛ استنانًا بظاهر فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من رأى المسجد أفضل إذا اتَّسَـع للمُصَلِّين – وهم الشافعية – وقالوا: إن المسجد أفضل؛ لشرفه، وردوا على دليل مَنْ فَضَّل المصلَّى بأن علة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه: عدمُ سعَةِ مسجده الشريف لأعداد المصلين الذين يأتون لصـلاة العيد، وعليه فإذا اتَّسَع المسجد لأعداد المصلين زالت العِلَّة وعادت الأفضلية للمسجد على الأصل؛ لأن العلة تدور مع المعلول وجـوداً وعدماً .
وصلاة العيد ركعتان تجزئ إقامتهما كصفة سائر الصلوات وسننها وهيئاتها -كغيرها من الصلوات- وينوي بها صلاة العيد: هذا أقلها، وأما الأكمل في صفتها: أن يكبر في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، وفي الثانية خمسًا سوى تكبيرةِ القيام والركوع; والتكبيراتُ قبل القراءة؛ لما روي " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- كَبَّرَ فِى الْعِيدَيْنِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى سَبْعاً وَخَمْساً، فِي الأُولَى سَبْعًا، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسًا، سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلاَةِ "، ولما روى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ: فِي الأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ".
والسُّنَّةُ أن تُصلى جماعة: وهي الصفة التي نَقَلها الخَلَفُ عن السلف، فإن حضر وقد سبقه الإمام بالتكبيرات أو ببعضها لم يقض; لأنه ذِكْرٌ مسنون فات محلُّه, فلم يقضه كدعاء الاستفتاح، والسُّنَّةُ أن يرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لما روي " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الْعِيدَيْنِ "، ويُسْتَحَبُّ أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله تعالى؛ لما رُوِيَ أن ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى وَحُذَيْفَةَ خَرَجَ إِلَيْهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ قَبْلَ الْعِيدِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الْعِيدَ قَدْ دَنَا فَكَيْفَ التَّكْبِيرُ فِيهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : تَبْدَأُ فَتُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً تَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلاَةَ وَتَحْمَدُ رَبَّكَ وَتُصَلِّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَدْعُو وَتُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ... الحديث، وفي رواية أخرى: فقال الأشعري وحذيفة رضي الله عنهما: "صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ".
والسُّنَّةُ أن يقرأ بعد الفاتحة: بـ " ق "، و " اقتربت "؛ لما روي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الأضْحَى وَالْفِطْرِ بِـ: ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ، و: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ»، والسنة أن يجهر فيهما بالقراءة؛ لنقل الخلف عن السلف.
والسُّنَّةُ إذا فرغ من الصلاة أن يخطب على المنبر خطبتين: يَفْصِل بينهما بجَلْسة، والمستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبعٍ، ويذكرَ اللهَ تعالى فيهما، ويذكرَ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويوصي الناس بتقوى الله تعالى وقراءة القرآن, ويعلِّمهم صدقة الفطر، ويُسْتَحَبُّ للناس استماعُ الخطبة؛ لما روي عن أبي مسعود أنه قال يوم عيد: « أول ما يبدأ به -أو يقضى- في عهدنا: هذه الصلاة ثم الخطبة ثم لا يبرح أحد حتى يخطب »، فإن دخل رجل والإمام يخطب, فإن كان في المصلَّى – لا المسجد، وهو المخصص لصلاة العيد فقط دون بقية الصلوات - استمع الخطبة ولا يشتغل بصلاة العيد؛ لأن الخطبة من سنن العيد ويخشى فواتها، والصلاة لا يخشى فواتها فكان الاشتغال بالخطبة أولى، وإن كان في المسجد ففيه وجهان: أن يصلي تحية المسجد ولا يصلي صلاة العيد; لأن الإمام لم يفرغ من سنة العيد فلا يشتغل بالقضاء، والوجه الآخر: أن يصلي العيد، وهو أولى; لأنها أهم من تحية المسجد وآكد، وإذا صلاها سقط بها التحية، فكان الاشتغال بها أولى؛ كما لو حضر وعليه مكتوبة.
ويشرع قضاء صلاة العيد لمن فاتته متى شاء في باقي اليوم أوفي الغد وما بعده أو متى اتفق؛ كسائر الرواتب, وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير. وإلى ذلك ذهب الإمامان: مالك, والشافعي رضي الله عنهما; لما رُوِيَ عن أنسٍ رضي الله عنه, أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه, ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلى بهم ركعتين, يُكَبِّرُ فيهما. ولأنه قضاء صلاةٍ, فكان على صفتها, كسائر الصلوات, وهو مُخَيَّرٌ: إن شاء صلاها وحدَهُ, وإن شاء في جماعة، وإن شاء مضى إلى الْمُصَلَّى, وإن شاء حيثُ شاء.
ويجوزُ لمن فاتَتْهُ صلاةُ العيد أن يصلِّيَ أربعَ ركعاتٍ, كصلاة التطوع, وإن أحب فصل بسلامٍ بَيْنَ كُلِّ ركعتين; وذلك لما رُوِي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "مَنْ فَاتَهُ الْعِيدُ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعاً"، ورُوِيَ عن عَلِيِّ بن أبي طالِبٍ رضي الله عنه أنه "أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يُصَلِّىَ بِضَعَفَةِ النَّاسِ في الْمَسْجِدِ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ يَوْمَ أَضْحًى، وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّىَ أَرْبَعاً"؛ ولأنه قضاء صلاةِ عيد, فكان أربعًا كصلاة الجمعة, وإن شاء أن يصلي ركعتين كصلاة التطوع فلا بأس؛ لأن ذلك تطوُّع.
وإن أدرك الإمام في التشهد جلس معه, فإذا سَلَّم الإمام قام فصلَّى ركعتين, يأتي فيهما بالتكبير; لأنه أدرك بعض الصلاة التي ليست مُبدلَةً من أربع, فقضاها على صفتها كسائر الصلوات.