الثبات ـ من ذاكرة التاريخ
تذوب فيه ملامح من سكنوه قبل 6 قرون مضت، به عاشت بنت السلطان والجارية سيدة القصر، ولجأ إليه ثوار القاهرة المنتفضين ضد المحتلين الفرنسيين، كما احتضن كنزا ذهبيا كبيرا.
ذلك البيت يعرف باسم “زينب خاتون”، عرفت جدرانه قصصا وأسرارا تزاحم للآن الجامع الأزهر وسط القاهرة، مؤرخا لأبرز أحداث حقبتي المماليك (1250- 1517) والعثمانيين (1517- 1867).
ويجمع ميزات معمارية للعصرين المملوكي والعثماني، حيث أنشئ عام 1486 ويتكئ على مجموعة أثرية إسلامية للحقبيتن بينها “بيت الست وسيلة”، و”بيت الهراوي” و”وكالة السلطان قايتباي”.
بيت له تاريخ
شُيد البيت عام 1486 على بقايا بيت الأميرة شقراء حفيدة الناصر حسن بن قلاوون أحد سلاطين المماليك، ووفق ما ذكره الموقع الإلكتروني لوزارة الآثار المصرية، شهد البيت تجديدا أواخر العصر المملوكي، قبل أن يؤول إلى السلطان قايتباي، أواخر العصر ذاته، ونسب إلى السيدة زينب خاتون، معتوقة الأمير محمد بك الألفي آخر ملاك البيت في العصر العثماني أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
الجارية سيدة القصر
وفق حديث مسؤول أثري، حمل البيت لقب آخر سكانه السيدة زينب خاتون بنت عبد الله البيضاء، وصيفة الأميرات، ولم يكن يستدل على مكان ولادتها أو نشأتها، وعرفت ببنت عبد الله حيث كان يضاف اسم عبد الله للجواري والعبيد ممن لا يعرف آباؤهم، ولها شقيقة تعرف باسم “الست وسيلة” تملك منزلاً مجاورا لشقيقتها بحي الأزهر، وأطلق عليها لقب خاتون، بمعنى السيدة الشريفة، بعد أن تزوجت من الأمير الشريف حمزة الخربوطلي.
دور وطني
ولزينب خاتون، دور وطني في التاريخ المصري، إذ شاركت المقاومة الشعبية للحملة الفرنسية على مصر (1798- 1801) فجعلت البيت مأوى للفدائيين ولتضميد جراح الثوار، وجعلت من “الحرملك (مصطلح عثماني يعني مجالس النساء)” بطابقه الثاني مأوى للنساء الثائرات، كما مدتهم بالمال والمؤن، وعُثر في تسعينيات القرن الماضي على 27 رفاة في سرداب بغرفة بالبيت، يُعتقد أنها لجرحى من الفدائيين الذين كانت تأويهم زينب خاتون إبان الحملة الفرنسية.
الكنز الكبير
وترتبط ببيت زينب خاتون قصة شهيرة، حيث أنه في تسعينيات القرن الماضي، عُثر أثناء ترميمه على كنز ذهبي يعد أحد أكبر الكنوز الإسلامية، إذ وُجد أثناء استخراج رفاة الفدائيين، على صندوق يحتوي على مئات القطع الذهبية بينها عملات مرسوم عليها شعارات تعود لمدينة البندقية في إيطاليا، وحسب وزارة الآثار المصرية، فإن زينب خاتون وهبت الكنز كصدقة على أرواح الشهداء، حيث كانت تشتهر بين المصريين بالخير والشجاعة.
عمارة البيت
ووفق مشاهدات، فإن عمارة البيت تعكس روائع الفن الإسلامي في العصرين المملوكي والعثماني، وهو مكون من ثلاثة طوابق، والطابق الأرضي روعي في مدخله احترام خصوصية أصحاب المنزل، فمدخله منكسر حتى لا يرى الضيف الأركان والغرف المختلفة، ويتوسط البيت، فناء مكشوف، تلتف حوله البنايات الحجرية، وطاحونة وغرف لتخزين الغلال والأطعمة وغرفة حفظ المياه وغرفة ضيافة، واسطبل خيل، أما الطابق العلوي الأول فكان للمعيشة، ويضم قاعات السلاملك (مقعد الرجال) والحرملك (مقعد النساء)، وأخرى للضيوف كبيرة يغطيها سقف خشبي ويتدلى منها فانوس كبير تعلوه نوافذ للإضاءة والتهوية.
وتحتوي القاعات العلوية على مشربيات (شبابيك خشبية صممت من زخارف فن الأرابيسك) تطل على فناء البيت، من خلالها كان النساء يسترقن النظر إلى الزوار والضيوف، ويلتحق بالطوابق العلوية حمامات وغرف صغيرة خاصة تعلوها قباب مفرغة مشغولة بقطع زجاج ملونة، وفي الطابق الثالث للبيت، تقع الغرف الخاصة بمالكة المنزل وحضانة الرضع سواء من يولدون لصاحبته أو الخادمات.
إطلالة على التاريخ
وسطح المنزل كأنه إطلالة مفتوحة على معالم القاهرة التي تشتهر بمدينة الألف مئذنة فمن خلاله، يمكن رصد قباب ومآذن تبدو كلوحة فنية تطل على الجامع الأزهر وشارعي المعز والجمالية التاريخيين، وخلال السنوات الماضية، أعلنت مصر اكتمال ترميم مبانٍ أثرية، واستكمال ترميم أخرى تعود إلى العصور الإسلامية المختلفة.