الثبات - إسلاميات
حكم خيانة الأمة والأوطان
أوجبت الشريعة الإسلامية على كل مسلم أن يشارك إخوانه في دفع أي اعتداء يقع على وطنه، أو على أي وطن إسلامي آخر، لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة.
قال الله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}.
أمتنا الإسلامية تمرُّ بمحَنٍ عظيمة ونوازلَ شديدة ونكَبات متلاحقة، ساهم فيها بشدة تعرّض الأمة لخيانات متعدّدة، تارة من أعدائها، وتارات من الخونة الذين يلبسون ثوب العروبة والإسلام.
يُخادعني العدو فلا أبالي ... وأبكي حين يخدعني الصديق
بسلاح الغدر والخيانة ذلك السلاح الذي تجرعت الأمة وتتجرع بسببه المرارات، وعن طريقه فقدت الأمة أعظم قادتها وخلفائها ممن أعجَزَ أعداءَها على مر التاريخ، فالرسول سَمَّته اليهود، وعمر قتله أبو لؤلؤة ، وعثمان قتلته يد الغدر، وعلي وغيرهم ممن أغاظ أعداء الله أذاقهم صنوف العذاب والهوان في ساحات النزال، وفي بئر معونة قُتِلَ سبعون من خيار الصحابة، لأجل هذا جاء التحذير من الخيانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
والخيانة متى ظهرت في قوم فقد أذنت عليهم بالخراب، فلا يأمن أحد أحدًا، ويحذر كلُ أحد من الآخر، فلا يأمن صديق صديقه، ولا زوج زوجه، ولا أب ولده، وتترحل الثقة والمودة الصادقة فيما بين الناس، وقد جاء في الأثر: "لا تقوم الساعة حتى لا يأمن المرء جليسه"، وينقطع المعروف فيما بين الناس مخافة الغدر والخيانة، ومن قصص العرب أن رجلاً كانت عنده فرس معروفه بأصالتها، سمع به رجل فأراد أن يسرقها منه، واحتال لذلك بأن أظهر نفسه بمظهر المنقطع في الطريق عند مرور صاحب الفرس، فلما رآه نزل إليه وسقاه ثم حمله وأركبه فرسه، فلما تمكن منه أناخ بها جانبًا وقال له: "الفرس فرسي وقد نجحت خطتي وحيلتي"، فقال له صاحب الفرس: "لي طلب عندك"، قال: "وما هو؟" قال: "إذا سألك أحد: كيف حصلت على الفرس؟ فلا تقل له: احتلت بحيلة كذا وكذا، ولكن قل: صاحب الفرس أهداها لي"، فقال الرجل: "لماذا؟!" فقال صاحب الفرس: "حتى لا ينقطع المعروف بين الناس، فإذا مرّ قوم برجل منقطع حقيقة يقولون: لا تساعِدوه لأن فلانًا قد ساعد فلانًا فغدر به". فنزل الرجل عن الفرس وسلمها لصاحبها واعتذر إليه ومضى.
وكل بلد مسلم إذا وقع اعتداء من حكومة أجنبية على أي وطن إسلامي بقصد احتلاله، أو احتلال جزء منه أو بأي سبب آخر فُرض على مسلمي هذه البلد فرضاً عينياً أن يجاهدوا ويقاتلوا لدفع هذا العدوان، وعلى أهالي البلاد الإسلامية الأخرى مشاركتهم في دفع هذا العدوان، ولا يجوز مطلقاً الرضا إلا بجلاء المعتدى عن جميع الأراضي.
وكل من قصر في أداء هذا الواجب يعتبر خائناً لدينه ولوطنه، وبالأولى كل من مالأ عدو المسلمين وأيّده في عدوانه بأي طريق من طرق التأييد يكون خائناً لدينه فإن الاعتداء الذي يقع على أي بلد من البلاد الإسلامية اعتداء في الواقع على جميع المسلمين .
والخيانة للوطن من الجرائم البشعة التي لا تقرها الشريعة الإسلامية، والتي يترك فيها لولى الأمر أن يعاقب من يرتكبها بالعقوبة الزاجرة التي تردع صاحبها، وتمنع شره عن جماعة المسلمين وتكفى لزجر غيره، ولم تحدد الشريعة الإسلامية هذه العقوبة وتركت لولى الأمر تحديدها. شأنها في ذلك شأن كل الجرائم السياسية.
وقد نهى القرآن عن اتخاذ أعداء المسلمين أولياء، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل. إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}، وحكم هذه الآية كما ينطبق على المشركين الذين أخرجوا الرسول من بلده ينطبق على كل طائفة غير مسلمة تهاجم بجيوشها داراً من ديار الإسلام.