معزوفة الحياد .. الأسباب و الأهداف ـ يونس عودة

الثلاثاء 21 تموز , 2020 11:22 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في ذروة الازمات اللبنانية المتعددة، والتي في غالبيتها ناتجة عن التموضع السياسي والاقتصادي والثقافي الالتحاقي , تضرب لبنان حاليا موجة أسماها المروجون لها "الحياد", مع يقينهم انه مجرد مصطلح تسعى فرقة الزجل الممجوج للنقر على اوتار لا تنتج سوى "النشاز",بعد فشل الغرب عموما واميركا خصوصا ,وعربان التيه باسرائيل, وفي المقدمة الكيان الصهيوني , في تطويع الغالبية اللبنانية ,لاجبارها على الانتظام في الصف الخانع الذي لم يكن يوما الا مطأطئ الراس امام "السيد الاميركي ".

وصلت موجة الحياد الى شواطئ لبنان في ظل احتدام الحرب المتعددة الوجوه , ولا سيما الحرب السيبرانية التي سيكون للبنان نصيب وافر منها اذا لم يجر تطويقها سريعا, لتصبح احد اوراق الضغط على لبنان , من المراكز الاميركية ذات الصفات العديدة المنتشرة في لبنان, وهو امر غير مكلف , ولا يحتاج سوى لجهازكومبيوتر ثابت او نقال وقد جرت تدريبات مكثفة في هذا السياق لفرق مختصة للتحكم , ونظمت الاسبوع الماضي تدريبات ميدانية اعطت ثمارها على شبكة اتصالات في منطقة البقاع , موهتها اسرائيل لاحقا بسحب طائرة تصوير مسيرة على الحدود كانت تعمل في مجال الانتاج الفني .

ليست موجة "الحياد الخادع" وليدةجديدة بقدر ما هي حاجة للتعمية تستخرج من سراديب واقبية , لم يأخذ القيمون عليها اي عبرة من التاريخ منذ ولادة لبنان بعد الحرب العالمية الاولى , ثم تطورات الحرب العالمية الثانية, وسلسلة الحروب الاهلية سواء عام 1958 , و1975, والحروب الصغيرة الاخرى ما قبل الطائف وما بعده، وبعد  الدوحة , الى حروب اسرائيل المتعددة على لبنان , والمستمرة حتى الان بأوجه واشكال مختلفة , يمكن ان يكون اقلها انتهاك السيادة اللبنانية برا وبحرا وجوا , كل يوم , من دون ان يتحرك جفن او لسان للمدافعين عن الحياد , وغالبيتهم , لهم ود مع اسرائيل تاريخيا , على الاقل بادانة لسانية تسمح بها حتما اسرائيل , وانما اميركا, لا تسمح.وحتى في معركة "التحرير الثاني", اي تحرير لبنان من الارهاب , كان "حياديو" اليوم يدافعون عن الارهابيين ووجودهم على الارض اللبنانية , وزيارة عرسال الشهيرة لمكونات "حياديي"اليوم, وكانواحينها تجمع "14 اذار"اقذر محاولة نفي لوجود ارهابيين في لبنان , ولما تكشفت حقائق بسيطة , وقبل ان تنفضح الصورة الكبرى على امتداد الوطن , ابتلعوا السنتهم إلى حين , ثم استأنفوا عدم حيادتهم بالتهجم على الصورة الانصع في تاريخ لبنان التي صنعتها المقاومة على جبهتي الحرب مع اسرائيل والارهاب .

مع كل ذلك يمكن ان يطرح سؤال مركزي , مع اسئلة عدة وجوهرية لاصحاب "الحياد"؟

1-هل بامكان المطالبين بالحياد الذين يقولون انه به وحده يمكن ان يزدهر لبنان , ان يقولوا للسفيرة الاميركية , وليس حتى لإدارتها ان لا تتدخل بالشؤون اللبنانية , وأن لا تدير اجهزة السفارة مجموعات العربدة ,اقله على الشاشات , او ان لا تشترط موظفا في هذا القطاع او ذاك , لانه من الخاصات الاميركية , ويقوم بالمهام المطلوبة اميركيا بأفضل مما يطلبه الاميركيون ؟

2- هل بامكان جماعة الحياد الطلب من الولايات المتحدة ان تضغط , او  تطلب من الكيان المحتل, انهاء احتلاله لما تبقى من الاراضي اللبنانية , اوتطلب على الاقل وقف العربدة البرية والبحرية والجوية تحت أعين الامم المتحدة وجنودها ورادارتها , او تسمح واشنطن للبنان الرسمي بالدفاع عن النفس في مواجهة اي اعتداء "اسرائيلي" , ولو بالسلاح الفردي المتخلف, اذا كان من صنع الولايات المتحدة .. اوليس هذا مشروطا ايها الحياديون , او انكم لا تعلمون , ام انكم متماهون حتى الذوبان .

3- هل بامكان مروجي الحياد, المطلوب منهم الآن , ومن الخارج, ان يعزفوا لحن الموتى على لبنان في ذروة الهجوم المتعدد الجنسية , سياسيا واقتصاديا ,ووطنيا , ان يواجهوا واشنطن بحقائق يعلمونها عن الحرب السيبرانية التي انجزت خلاياها ومقرصنوها التحضير لها , للسيطرة على الاتصالات , والكهرباء والمياه , والمستشفيات على كل الاراضي اللبنانية , وغيرها من القطاعات من أجل مزيد من الضغط على لبنان الرسمي , ولتأليب الشعب اللبناني على بعضه البعض.؟

4-هل الذين يحاولون كذبا وزرا تحميل المقاومة , اكان مباشرة او مواربة بانها وراء الازمة التي تعصف بلبنان , وان لبنان محاصر بسببها عربيا ودوليا , يمكنهم ان يطلبوا من عشاقهم في دول الخليج الذين مولوا الارهاب ولا يزالون , وقف التمويل , واعطائهم جردة المليارات كمساهمة في تخريب لبنان وانتقال الارهابيين اليه ومنه وعبره الى الجوار , وابعد من الجوار السوري , ام انهم كانوا ولا يزالون شركاء ومحبين , ومن المعلف يقتاتون؟

5-ان اولئك المتحدثين عن خيار الحياد , اليسوا هم سليلو الذين كانوا يطالبون بالحياد ,عندما لمع بصيص امل في خمسنيات القرن الماضي لتحرير فلسطين , ومن ثم استدعوا الاسطول السادس الاميركي الذي تموضع على الساحل اللبناني , بعد ان لفظ حلف بغداد انفاسه ؟

6- اوليس الذين يطالبون بالحياد اليوم , من سلالة الساعين لاتفاق السابع عشر من ايار تحت حراب الاحتلال ومعه , ويتحدثون اليوم عن الحياد ويؤكدون في الوقت نفسه تمسكهم بسلوكهم الالتحاقي منذ تكوين لبنان ,على انه الاستقرار والتعافي الذي سيظلل لبنان الاتي ؟

7- اليس معيبا ان يتحدث المرء عن الحياد فيما اميركا صديقهم ,- وكلمة صديقهم هنا لزوم التمنع عن الاهانة- و"اسرائيل" لا تتوانيان من اعلان التمادي في نهب الاراضي الفلسطينية التي ولد عليها السيد المسيح((ع)) ,تحت عنوان الضم لدولة الاحتلال , ام ان الحياد هنا محبة , وتأسف على العداء؟

لم يكن طرح موضوع الحياد الذي يقاربه البعض على انه مجرد فقاعة , الهدف منها تحويل الانظار عن السقوط الكبير في الحبائل الاميركية والخليجية المرسومة اسرائيليا , لكنه في الواقع تمسك بنهج الالتحاق , لان رواده لا زالت لديهم عقد نقص على المستوى الوطني , فمن جهة كانوا شركاء مع اعداء لبنان في اكبر معركتين او حربين شهدهما لبنان الحديث .

- الاولى هزيمة الاحتلال الاسرائيلي واندحاره عن أكبر قسم من الاراضي اللبنانية , وتحطيم عنفوان اسرائيل وجبروتها عام 2006 , وليس اجتماع السفارة الاميركية بما حوى برئاسة كونداليزا رايس , وجيفري فيلتمان سوى الدليل الساطع على بساطة يقينه ,بعد انتقال الكاردينال الراحل صفير بطوافة اميركية من قبرص الى لبنان , وللمصادفة ان يكون توقيت "حملة الحياد "مع ذكرى هزيمة اسرائيل في حرب تموز 2006

-الثانية هزيمة الارهاب واقتلاعه من جرودنا,عندما كان البعض ظهيرا سياسيا واعلاميا للمجموعات الارهابية ونكران حضورها واحضارها وتسهيل تنقلاتها في لبنان وعبره .

اما المسألة المستجدة التي اثارت او طيرت الصواب فهي الاعلان عن النية بان لايكون لبنان رهينة الولايات المتحدة والملتحقين بساساتها ,وسياستها العدوانية , عبر اقامة علاقات مع دول شرقية خدمة لمصلحة لبنان , على اعتبار ان في التوجه شرقا خروج لبنان من مساره , بينما الحقيقة هي خروج لبنان من العبودية التي لا يريد البعض الانعتاق منها .

يظن البعض ان ساعة الصفر دنت وان عليهم ايجاد موقع في الاصطفاف , وان كان مناقضا للمصلحة الوطنية وتحت شعارات لا تليق بمنجزات الشعب اللبناني , وان الموقع لا يتحقق الا بوهم "الحياد ".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل