مطرقة العقوبات وسندان الحياديين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 17 تموز , 2020 10:56 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كانت لافتة التحركات السياسية التي جرت مؤخراً، إذ بدت فيها بوضوح هجمة مرتدة يشنها أركان النظام الطائفي، الذي يشهد له تاريخه أنه مولّد للفتن والفساد وحام للفاسدين، خصوصاً بالخطوط الحمراء لمرجعيات الطوائف وغيرها من ألوان الوقاحة المعلنة، في منع محاسبة السارقين والمرتكبين على أعلى المستويات، لأن هذه المحاسبة، إذا حصلت، تؤدي لإنهيار أحجار دومينو الفساد المرتكز في قمم السلطة ومراكز التسلط على اللبنانيين واستغلالهم.

وبغض النظر عما رافق إنتفاضة اللبنانيين في 17 تشرين الماضي؛ وسطو أحزاب الطوائف والفساد السلطوية عليها، من خلال قطاع الطرق، فإنها، من دون شك، أحرجت وأخافت حلف الفساد وأركانه. لذلك رأينا في الشهر الماضي جولات من الزيارات المستغربة، في قفزها فوق خطوط الخلافات. وفي كشفها عمق العلاقات وعضويتها، بين من إصطف يوماً على ضفة الرابع عشر من آذار، أو على ضفة الثامن منه. كشفت تلك الزيارات كذب تلك الإصطفافات، فمصلحة النظام وحماية مصالح التركيبة المافياوية القائمة أقوى من كل أوهام الإنقسام السياسي. وضرورة الدفاع عن محاصصة الفساد هي أقوى وأكثر الحاحاً، لا يمنع عنها لا كورونا ولا تظاهرات أو قطع طرقات. والخوف من إتجاه الأمور نحو فتح الملفات وصولاً إلى المحاسبة أقضت مضاجعهم،  فكان التنسيق بينهم "على عينك يا تاجر". وإذا بمن كان صقراً في هذا الطرف يزور نسر الطرف الآخر. والأمور تترتب بقدرة قادر بين المختلفين، الذين سبق أن تبادلوا شتائم واتهامات "من فج وعميق". وحماية هذا النظام الطائفي لها الأولوية عندهم على ما عداها. وطالما أن النظام بخير، فإن أركانه باقون بخير وهم مستمرون في تأدية وظيفتهم من ضمن وظيفة النظام، الخادم الأمين منذ إنشائه، للغرب الإستعماري والرأسمالي، بكل مصالحه وأطماعه وعدوانيته. وهذا الفساد هو الفك الثاني لكماشة الحصار الأميركي وعقوباته المجرمة.

وهكذا وفي لعبة توزيع الأدوار بين الداخل والخارج، برز من يدعو إلى فيدراليات وكونفيدراليات، في مواجهة المطالبة شبه الشاملة لأكثرية اللبنانيين بالغاء النظام الطائفي، من خلال الغاء الطائفية السياسية وإحلال نظام المواطنة والعدالة والكفاءة مكانها. لأن الغاء الطائفية السياسية يعني الغاء الزبائنية في السلطة. وهذه الزبائنية هي من حصون الفساد وأدواته. والغائها يضرب المحاصصة، فتصبح المساءلة والمحاسبة أمراً متاحاً، مما يضع البلاد على سكة إصلاح النظام ووضعه في خدمة مواطنيه؛ وليس في إستغلال الأرض ومن عليها كما هو جار الآن.  

لكن سرعان ما اكتشف دعاة الفدرلة، أن مطلبهم هذا دونه حرب أهلية دموية يتطلبها الفرز السكاني الذي يريدونه. فكان أن بدأت مطالبة من نوع آخر، هي دعوة الحياد. بيد أنها تحمل ذات المطالب المشبوهة التي حاول سارقو الحراك الشعبي تسويقها وفشلوا، خصوصاً في تظاهرة السادس من حزيران الماضي، ألا وهي نزع سلاح المقاومة والغاء دوره ووظيفته في التصدي للعدوانية الصهيونية، التي إستولت على فلسطين بأكملها وتطمع بالمزيد، خصوصاً في الأرض والمياه السيادية والثروات النفطية اللبنانية الكامنة في مياهنا الإقليمية.

جاءت دعوات الحياد لتكمل الهجمة القائمة لحماية نظام الفساد، لكن فات أصوات الحياد، أن حيادهم هذا مكشوف ومفضوح، لأنهم يرون لبنان من خلاله "جمهورية موز" تعمل في خدمة السيد الأميركي وتنفذ كل أوامره. فالحياد الحقيقي يتناقض مع إنسياقنا مع العقوبات الأميركية ضد سورية، أو إيران، أو فنزويلا، أو حتى كوريا الشمالية، فكيف بالأحرى ضد الصين وروسيا. والحياد لا يعني أن نعادي كل من تعاديه أميركا والغرب. وأن نخضع للعدوان الصهيوني ولمطامعه وتهديداته.

كما أن الحياد يقضي بأن نلتزم مصالحنا. فهل مصلحتنا تقتضي إقفال حدودنا البرية الوحيدة مع العالم، التي تربطنا بسورية وبالأقطار العربية، لأن هذه هي مشيئة ألإدارة الأميركية وأتباعها من سلاطين الخليج؟ وهل مصلحتنا تقضي أن نرفض الحصول على النفط الإيراني حتى لو مقابل العملة اللبنانية، في حين تم نهب لبنان بالتواطؤ بين الفاسدين وشركات النفط المشبوهة التي تقبض بالدولار؟

كلام كثير يمكن أن يقال ليكشف أن دعوات الحياد هي دعوات مشبوهة، مأمور بها من البعيد الأميركي وحتى "الإسرائيلي". لكن كلام الرئيس ميشال عون أمس أسقط كل مفعول هذا الحياد المزعوم، عندما قال أن الحياد لا يعني أن لا ندافع عن أنفسنا. فبات الحياد لا يفيد أصحابه بشيء. هنا تجدر العودة للقول أن مصيبة الذين شاركوا في إنتفاضة 17 تشرين، أنهم لم يتنبهوا إلى قوى الطائفية والفساد التي تغلغلت بين صفوفهم وكانت القائد الفعلي لحراكهم. وها هي تلك القوى تطلب يوماً نزع سلاح المقاومة، في إنحياز وقح لصالح العدوانية "الإسرائيلية" وحاميها الأميركي. ويوماً آخر تطالب بالفيدرالية لأنها من الأساس لا تؤمن بلبنان وطناً، بل تراه مزرعة للإستثمار، أو في أحسن الأحوال فندقاً، تغادره عندما تنتفي مصلحتها منه. وهذا الفشل سيصيب قوى الفساد في الصميم، لأنها تعبّر عن شبكة مصالح تغرقها في الفساد، كما تغرقها بالتبعية لقوى الهيمنة الغربية. لذلك نراها تفرط بمصالح لبنان وترفض كل العروض المغرية بمساعدة لبنان من دول مثل الصين وإيران وروسيا. فهل بإمكان هذه الدمى الأميركية الحصول على عروض أميركية أو فرنسية تماثل العروض الإيرانية أو الصينية، قبل أن تدين نفسها بالتبعية والعمالة؟ 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل