ليبيا بين نيران التقسيم وحلم التسويات ـ يونس عودة

الثلاثاء 26 أيار , 2020 10:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تداخلت الامور في ليبيا التي تعاني مرارة الانقسام الوطني كانعكاس للتدخلات الخارجية ومصالح الدول الاستعمارية, والاخطر ان الانقسام لا يزال يتخذ شكلا دمويا يدفع ثمنه الليبيون فقط, بشريا وعلى مستوى الثروة الوطنية الكبرى.

راهن كثيرون على ان المشير خليفة حفتر عندما اطلق عملية الكرامة في 2014،يمكن ان يعيد توحيد الارض الليبية التي كانت باتت شبه مجزأة الى 3 اقاليم وفق الخطة الجهنمية التي وضعها الاميركيون، وهو في الواقع ما أغرى حفتر للعودة الى بلاده ليكون لاعبا محوريا في الحرب. هذه الحرب التي كان الارهاب جوهرها ومحرك التقسيم الاميركي لتكون  طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب.ما انتج ثلاث حكومات، اثنتان في العاصمة طرابلس "الوفاق والإنقاذ"، وثالثة في مدينة البيضاء شرقي البلاد "المؤقتة"،في وقت انطلقت قوات حفتربالسيطرة على معظم إقليم برقة، فيما يسيطر تحالف لكتائب الغرب الليبي وعلى رأسها كتائب مصراتة على معظم أجزاء إقليمي طرابلس وفزان.باشرف جوليان برجر من الولايات المتحدةوهذا التقسيم يمزق حدودٍا عمرها 600 عام بغض النظر عما إذا كان الليبيون يرغبون في ذلك أم لا.اما الهدف الاستراتيجي الى جانب التمزيق الوطني الذي ولدته واشنطن مع ادوات تنفيذية على الارض ,فهو النفط ,فالنفط شريان الحياة في ليبيا، فهو يسدّ كل الحاجات، من الغذاء إلى المياه إلى رواتب القطاع العام. ومن دون عائدات النفط لا توجد ليبيا".

على هذه القاعدة , كان يصطدم الحل السياسي كلما لاحت بارقة أمل، بدخول عناصر جديدة تخرب اي تقارب بين الليبيين .

خلال 6 سنوات من انطلاق عملية حفتر , التي كادت ان تسيطر على العاصمة طرابلس انقلبت الامور راسا على عقب , مع دخول تركيا بقوة الى جانب حكومة  السراج الذي كانت قواته تتهاوى، فجرى رفدها ودعمها بمقاتلين من تنظيمات ارهابية نقلتهم تركيا من سورية ومع أسلحة تعتبر نوعية بما فيها المسيرات المتطورة , بحيت تعرض جيش حفتر لهزيمة خطيرة من قوات حكومة الوفاق الوطني، التي تمكنت من إبعاد جنوده عن طرابلس.لا بل سارعت القوات المدعومة من المرتزقة الى الاستيلاء على مدن هامة , لكن الاهم كانت السيطرة على قاعدة الوطية الجوية جنوب غربي العاصمة الليبية طرابلس. وكانت قاعدة الوطية تلعب دورا هاماً للغاية، حيث تم استخدامها لمتابعة الهجوم على العاصمة الليبية. لا بل كانت بمنزلة المقر الرئيسي لقيادة الجيش الوطني الليبي في المناطق الغربية والوسطى من ليبيا. وبفقدانه مثل هذا الموقع الهام استراتيجيا، وجد الجيش الوطني الليبي نفسه في وضع أسوأ بكثير مما كان عليه عشية هذه المعركة الكبيرة مع العدو.

لقد رجح خبراء أن الحلفاء التقليديين لحفتر، في الإمارات ومصر، قرروا التخلي عن دعمهم له على خلفية إخفاقاته الأخيرة,وإن الاستيلاء على القاعدة الهامة استراتيجيا على مشارف طرابلس حدث لأن وحدات الجيش الوطني الليبي قررت عدم إبداء مقاومة فاعلة وانسحبت من الموقع ببساطة,بموازاة اتهام الجانب التركي، علنا، لفرنسا واليونان وقبرص والإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا بدعم حفتر,لا بل تشمل الاتهامات روسيا بارسال خبراء من الشركات العسكرية الخاصة.وكل ذلك على خلفية سياسية واقتصادية يكون النفط في المتوسط في صميمها .

اما على مستوى "التقريش "السياسي , فقد تقدمت تركيا بطلب رسمي من "حكومة الوفاق"التي يقودها السراج لعقد اتفاق نفطي تخولها البحث عن النفط واستغلاله بعد الاكتشاف,وهذا مايستفز الاوروبيين الذين يؤكدون على مسار برلين لايجاد تسوية للازمة الليبية ,وفي الوقت نفسه غزل لواشنطن المتناقضة الى حد كبير في رؤيتها لحل الازمة عن الرؤية الاوروبية , والوقع ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب التقط السماعة وتحادث مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان وتناول بشكل اساسي الوضعين في ليبيا وسورية, حيث الصراع المحتدم بين واشنطن وموسكو , مع اللعب التركي على الحبال الاميركية - الروسية في سورية.

ومن اجل اجتذاب الاميركيين اكثرقدم اردوغان واحدا من اهم الشخصيات العسكرية على مذبح مصالحه مع واشنطن بعد ان حرمه الأمرة على قواته فتم نقله من موقعه الى هيئة الاركان , وهذا في الشكل ترفيع لكنه في الواقع كف يد,وقد شكل نقل قائد البحرية التركية، جيهات يايجي، للعمل في هيئة الأركان العامة واستقالته اللاحقة صدمة للأوساط السياسية والعسكرية المحلية. إذ عُرف الأميرال بمبادراته إلى محاربة "الطابور الخامس" في القوات المسلحة، وكذلك تطوير العقيدة "الليبية" الحالية في أنقرة.وهو ليس من الموالين للاميركيين على عماه.

ويعتقد بعض الخبراء الاتراك ومنهم أورهان غفارلي،ان تحجيم دور الأميرال من إشارات التقارب بين تركيا والولايات المتحدة. ويرى آخرون أن مثل هذه التغييرات في الكوادر هي نتيجة منافسة داخلية شديدة جدا في أوساط الجيش وأن وزير الدفاع يمكن أن يستغل الوضع. لكن عند تقويم الوضع العام في الجيش التركي، يشير غفارلي إلى أنه لا يزال هناك أميرالات وجنرالات يلتزمون بتوجه مناهض للغرب.

ويقول المحللون إن تركيا اليوم في حاجة ماسة إلى توفير خطوط مقايضة من أجل حماية عملتها الوطنية من الانهيار. والولايات المتحدة قد تصبح أحد أهم مصادر المساعدة لتركيا. لذلك، قد يكون من المهم للغاية أن تستعرض أنقرة ولاءها لواشنطن. وهذا بالضبط ما يفسر قرار تركيا تأخير تشغيل إس-400 الروسية هذا الربيع.

لكل ذلك باتت ليبيا محورا هاماً في استعادة تركيا لدور مفقود في الاقليم , ومن الصعب في الوقت نفسه الجزم بهزيمة كاملة لحفتر تستغلها تركيا سياسيا رغم قول اردوغان ووزير دفاعه ان تدخل بلادهما غير وجه المعركة، فأعداء حفتر يفتقرون الى القوة لحشره إلى برقة, تماما كما افتقر هو الى تحرير طرابلس حسب وعوده المتكررة . لذلك، فمن المرجح ان تستمر،المعارك في طرابلس مع نجاحات متفاوتة. لكن هل سيتخلى داعمو حفتر عنه أم لا؟، فالتخلي عن حفتر سيكون بمنزلة "ضوء أخضر" لتقدم حكومة الوفاق الوطني أكثر، ما يعني تعزيز مواقع تركيا، التي تحاول مقاومة نفوذ مصر والملكيات العربية في ليبيا. ومن غير الواضح ما إذا كان هذه الأخيرة ستتقبل مثل هذا التطور للأحداث. فمن مصلحتها وقف تقدم قوات طرابلس على الأقل من أجل الحفاظ على الوضع الراهن ,لعله يفتح من جديد باب التسويات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل