اللادولة! ـ عدنان الساحلي

الجمعة 20 آذار , 2020 10:27 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أياً يكن البرّ الذي سترسو عليه الأزمة التي إنفجرت أمس في وجه اللبنانيين جميعاً، رسميين وشعبيين، حزبيين ومستقلين، بتهريب الأميركيين رسمياً للعميل "الإسرائيلي" جزار سجن الخيام، عامر الفاخوري، بطائرة عسكرية أميركية إلى خارج لبنان، فإن هذا الحدث سيصبح من معالم ومحطات الأزمات في لبنان، تقاس عليه مواقف وتقارن فيه ظروف وتطورات. ويختلف حوله اللبنانيون، مثل إختلافهم حول كل القضايا التي تؤثر على حياتهم وعلى مصير وطنهم.

وأصبح من نافل القول المستهلك، أن الأميركيين أهانوا "الدولة" اللبنانية بكل رموزها بفعلتهم الوقحة تلك. وهم داسوا باقدامهم السيادة والسياديين، عندما خرقوا الأجواء اللبنانية وافتعلوا لانفسهم "معبراً" جوياً نقلوا فيه العميل "الإسرائيلي" الفاخوري، متجاوزين قراراً حكومياً يقضي بقفل الأجواء والمعابر البرية والبحرية، من ضمن إجراءات مكافحة وباء "كورونا" العالمي، الذي يضرب لبنان في من يضرب ومن ضمنهم الولايات المتحدة نفسها، فتجاوزوا بذلك كل ما يمكن أن يشير إلى وجود دولة في لبنان.

وفي حين أن صدى أصوات بعض أتباع السفارة الأميركية في لبنان لم يخفت بعد، في مطالبتهم بإقفال المعابر غير الشرعية مع سورية، في تغطيتهم على الفساد والتهريب المنتشر في لبنان، فإنهم صمتوا صمت الأموات ولم يقولوا هل أن هذا "المعبر" الأميركي شرعي ومن أعطاه رخصة؟

وصمت الأموات هذا، طال أيضاً المعنيين من المسؤولين خصوصاً كبارهم، سياسيين كانوا أو عسكريين، فلم يصدر بعد حتى بيان إستنكار على هذه البلطجة الأميركية، التي تكشف لبنان أمنياً وتحمي العملاء؛ وتمد يد العون لكل من يرتكب فعل الخيانة خدمة للعدو "الإسرائيلي"، في حين يعادي الأميركي ويحارب ويعاقب كل من يدافع عن أرض لبنان وعن كرامته وسيادته، ويرفض الأطماع "الإسرائيلية" فيه.

والأخطر، في هذا الفعل الأميركي، هو الفضيحة التي لا يتجرأ أحد على الإشارة إليها، فلبنان من ضمن الدول التي تعطي "تسهيلات عسكرية" للأميركي. وهذه التسهيلات هي الإسم السري لوجود قاعدة، أو قواعد عسكرية. ولا ينسى أي محلل عسكري أو متابع على مستوى دولي أو إقليمي، الإشارة إلى وجود قاعدة عسكرية أميركية في مطار حالات، قرب البترون، في الشمال اللبناني، لكن كثيرين يتناسون ذكرها، إما مسايرة أو تواطوءاً، أو خوفاً! وكذلك هنالك تسهيلات للأميركي في مطار رياق العسكري. فهل هذه التسهيلات تمت بقرار سياسي من إحدى الحكومات، أم هي بقرار عسكري من تحت الطاولة؟ وهل هناك من لديه الجرأة من المعنيين ليجيب ويوضح الحقيقة للبنانيين؟ وهل أن هذا الوجود العسكري الأميركي الغريب، يختلف عن أي وجود "إسرائيلي" محتل يجب طرده وإزالته، طالما أن معظم اللبنانيين متفقون على أن السياسة الأميركية في منطقتنا هي سياسة "إسرائيلية" ولا شيء غير ذلك. ومن يطمئننا بأن تلك القواعد والتسهيلات لا تستعمل ضد البلدان العربية التي يعتدي عليها الجيش الأميركي منذ سنوات. أو أنها لم ولن تستعمل ضد لبنان. وهي استعملت أمس ضد أمن لبنان وضد سيادته. وهل أن السفارة في عوكر، هي مقر دبلوماسي أم قاعدة عسكرية أميركية؟

واللافت أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شكر الحكومة اللبنانية على تعاونها في إطلاق سراح العميل الفاخوري،  فهل من حق اللبنانيين أن يعرفوا من هو "هذا المتعاون" لتتم محاسبته وفق القوانين اللبنانية، بتهمة الخيانة العظمى، لنضمن بذلك عدم تشريع فعل الخيانة. وكذلك عدم تكريس الولاء المزدوج، خصوصاً للذين يحملون جنسيات دول أخرى إضافة إلى الجنسية اللبنانية؟ ومن يضمن بأن الذين فرطوا بكرامة لبنان وسيادته على مذبح جبنهم أو ولائهم للأميركي، لن يفعلوا الأمر نفسه عندما يطلب الأميركي تنفيذ مطالبه في ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة. وكذلك بنهش الحصة اللبنانية من الحدود البحرية التي تضم ثروة من الغاز والنفط؟ من دون أن ننسى إصراره على توطين الفلسطينيين والسوريين؟

ومما بات ممجوج التكرار، أن هذه "الدولة" التي أنشاها الفرنسي تكريساً لآطماعه الإستعمارية وأصبح النافذ فيها الأميركي من بعده، لم تكن يوماً "دولة" اللبنانيين، بل هي صاحبة دور وظيفي في خدمة الغرب والإستعمار. وخنجراً في خاصرة سوريا والعرب. وتاريخ معظم من توارد على الحكم حافل بالخيانات والتبعية والعمالة لهذه الدولة وتلك. والمحاصصة الطائفية والسياسية في الحكم، التي يشتكي منها اللبنانيون، هي إبنة محاصصة "سفاراتية" تتقاسم فيها الدول النافذة تعيين "رجالاتها" في المراكز والمناصب الحساسة في السلطة اللبنانية. فهل أن تراكم فضائح هذا النظام العفن، الذي يضطهد اللبنانيين ويهجرهم في بلاد الله الواسعة؛ ويسرق أموالهم و"ينصب" عليهم مستولياً على إيداعاتهم المصرفية، ثم يتواقح في تبعيته وولائه للأميركي و"للإسرائيلي"، بحكم ترابطهما، هل يؤشر ذلك إلى أن الأوان قد حان لنخرج من "اللادولة"، إلى رحاب حكم يضع مصلحة اللبنانيين وكرامتهم في رأس أولوياته؟    


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل