أميركا تسقط نظريتها في "دمقرطة" العالم ـ يونس عودة

الثلاثاء 26 تشرين الثاني , 2019 09:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تجتاح العالم اليوم ما يشبه "الانفلونزا" - ولنسميها - انفلونزا التمرد على ما هو قائم من انظمة ما دامت تلك الانظمة لا تستجيب كلية لمشيئة الاداراة الاميركية , اما السؤال الكبير الذي يطرحه الذين يسمون انفسهم "حياديون"في غمار هذه الحمى : هل هناك مشتركات حقيقية بين الانتفاضات او الثورات الشعبية , من اميركا اللاتينية الى اوروبا الشرقية الى اسيا بشقيها الادنى والاوسط ؟

الجواب هو نعم كبيرة,  والهدف الثروات وبسط النفوذ , وتطويع الشعوب ,اما كاتب السيناريو والاخراج - اي المخطط - فهو الولايات المتحدة التي لم يعد لدى سياسييها واقتصادييها اي ذرة خجل في التعبير عن هدف نهب ثروات الشعوب وعبر ذرائع تحددها الحاجة , فاذا لم تنجح عبر تدبير انتفاضة شعبية , ولو كان المنتفضون وبعضهم ببراءة حالمة , يتم اللجؤ الى التشكيك في اهلية قيادة هذا البلد او ذاك من اهله , اذا واكب الفشل رفض جيش اي بلد مواكبة المطلوب اميركيا , وهناك العديد من الامثلة .

ففي اميركا اللاتينية , وفنزويلا على وجه التحديد , رفض الجيش الوصاية والاملاءات الاميركية لوضع يده على السلطة بعدما فشلت اداة المعارضة الاميركية التبعبية, ان تحقق المراد  في التخلص من الرئيس نيكولاس مادورو وحكومته , ورغم كل الصخب والضغط الاميركيين وتجنيد العديد من الدول لدعم الدمى ,بزعامة خوان غويدو ,ولما فشلت عملية الترويع , هدأت الامور نسبيا في فنزويلا لتنتقل الى بوليفيا , 

لقد تم أجبار الجيش على التخلي عن مبدأ عدم التدخل الذي التزمت به النخبة العسكرية طوال السنوات العشرين الماضية , لكن الخوف من  الولايات المتحدة جند قادته بالزام الرئيس ايفو موراليس بالتخلي عن السلطة التي وصلها عبر صناديق الاقتراع وباكترية عمالية وفلاحية , وبقي "العالم الحر" , شاهد زور على الديمقراطية المقتولة في وضح الشمس.

لم تتمكن الولايات المتحدة، من ابتلاع تمرد دول اميركا اللاتينية على الانظمة الموظفة لديها منذ انتصار الثورة الكوبية مرورا بالثورة الساندينية , الى البوليفارية الجديدة على يد هوغو تشافيز وصولا الى ايفو موراليس في بوليفيا ,  وقامت منذ منذ بضع سنوات باعداد العدة لعملية إعادة تشكيل واسعة النطاق لأميركا اللاتينية، اي "الحديقة الخلفية" السابقة لها. كل ما في الأمر أنها اتفقت مع الجيش البوليفي. وربما رشت شخصا ما أو جندته

لم تقم الولايات المتحدة "بتطهير" بلد لاتيني آخر فحسب، إنما وجهت ضربة قوية لمُثل "الميل اليساري" في أميركا اللاتينية. كما وجهت الضربة لفكرة استقلال أمريكا اللاتينية وحلم رجل هندي باختراق الحواجز والممنوعات ليصبح رئيسا لبلد وإن يكن صغيرا ولكنه شديد الاعتزاز بنفسه.ولديه ثروات يمكن ان يجعله في مصاف الدول المنتجة للنفط .

وعليه فان الولايات المتحدة ستواصل استكمال السيناريو اذا نجحت في تنفيذ مآربها في بوليفيا , وتجعل الدول المناهضة لسياستها العدوانية الاستعمارية , تتساقط الواحدة تلو الاخرى كالبيادق في لعبة الشطرنج . سوف تعود الولايات المتحدة إلى تنفيذ مؤامرنها بفنزويلا  في ذروة الحملة الانتخابية الرئاسية.وهو ما يطمح اليه دونالد ترامب 

واذا انهت  واشنطن الوضع في  فنزويلا لصالحها ، سيأتي دور نيكاراغوا. هناك أيضا احتجاجات جماهيرية، مشابهة جدا للاحتجاجات الفنزويلية والبوليفية، في أساليب التنظيم والشعارات، والدعم المادي. وبعد نيكاراغوا، يأتي دور كوبا، التي ستحرم من النفط الفنزويلي, وستكون التشيلي اخر العنقود ما لم ينفجر الوضع في الاكوادور والبيرو وحتى البرازيل بعد خروج دوسيلفا من السجن .

هنا بالذات - اي بالفناء الخلفي السابق للولايات المتحدة , يشهد العالم سقوط نظرية "الدمقرطة" على الطريقة الاميركية  على يد الادارة الاميركية , التي لم تعد تخفي غاياتها بشعارات تحاكي احلام الفقراء , لا بل باتت تعلن صراحة اهدافها الاقتصادية - المالية عبر تركيع الانظمة ولو كانت من اقرب المقربين اليها مثل السعودية ودولة الامارات اللتين فرضت واشنطن عليهما عملية التمويل للحركات القاتلة للمجتمعات اوالتلاعب بمصائر الشعوب من خلال استغلالهم في معاركها وعبر توهين الانتماء الوطني بشعارات غرائزية - , فالسعودية لا يمكن ان تصاب بداء الديمقراطية اصلا , واي حكم لا دستوري لا يمكن ان يتحول الى الديمقراطية ولو روت الدماء الارض الذي يقام عليها, فكيف بملكيات غير دستورية , وهنا تموت شعارات الديمقراطية الاميركية , مقابل اتوات المال والنفط , اي ادفع تستمر ومهما علا طغيانكم يا ال سعود وارتكابك للمذابح اكان في اليمن اوغيرها , ولذلك يستشعر حكام السعودية مخاطر اذا نجح الديمقراطيزن في الانتخابات الرئاسية الاميركية لان المرشحين من الحزب الجمهوري اعلنوا فرادى ان سعيهم سيكون محاسبة السعودية على ارتكاباتها في اليمن , وكذلك كبح جماح اسرائيل  المتمادية في ارهاب الفلسطينيين تحت عباءة ترامب , الذي يحاول ان يعطي صديقه بنيامين نتنياهو جرعات تطيل عمره السياسي مثل حق الاستيطان في الضفة , بعد السفارة في القدس وان المدينة المقدسة عاصمة للكيان الغاصب .

واذا فتحنا هنا مزدوجين , يبدو ان حمى التمرد وصلت الى الكيان الصهيوني ,فرغم الدعم الاميركي اللامحدود فان نتنياهو فشل في تشكيل حكومة , واعلنت بحقه تهم الفساد والرشوى , لا بل ان غريمه بيني غانتس اتهمه بفقدان عقله بدعمه الخطاب المثير للانقسام ," الذي بدأ يتسبب بحرب اهلية".

بالمقابل , فان لبنان موضوع اليوم تحت اختبار القتلة الاقتصاديين - الاميركيين - وقد عبر عن ذلك جيفري فيلتمان دون مواربة , وهو وضع لبنان امام خيارين , اما التجويع او الحرب الاهلية , فيما الادوات الاميركية , لا زالت , مغشاة العيون عن سابق تصميم , ولو تحول الشعب على ضفتي الصراع  الى حطب يتنافس على الاحتراق .

لذلك فان الوضع المتزايد سؤا بين استنساخ نموذج الاحتجاجات وقمعها , ونموذج التساهل والاستسهال , وهذا الاخير يؤدي الى خلخلة الانظمة او تدميرها - ويذهب بالعالم إلى الفوضى , ولبنان ليس معزولا عن ذلك. 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل