قصة ليبية تحكي كيف سقطت بلادنا في يد أعدائنا ـ فادي عيد وهيب

الخميس 21 تشرين الثاني , 2019 09:33 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لمناسبة طلب الولايات المتحدة الأميركية من المشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية وقف معركة تحرير طرابلس، بعد تحذير واشنطن لمصر من شرائها مقاتلات سوخوي35 الروسية، بعد أن رفضت واشنطن منح القاهرة مقاتلات أف35 الأميركية العام الماضي، وما يفتعله حاملو الرايات الأمازيغية فى المظاهرات الجزائرية كل أسبوع برغم تحذير رئيس الأركان الفريق قايد صالح من رفع أي راية غير الراية الوطنية (العلم الجزائري) نحكي لكم قصة تشرح وتلخص الكثير، وتقول كل ما يحدث اليوم وبالأمس وما كان يخطط منذ عام الفوضى الكبرى عام 2011 وما قبله من تحضيرات لإشعال المنطقة برمتها، وكيف سقطت بلادنا في يد أعدائنا.

ففي صباح أحد الأيام الأولى من شهر مايو عام 2008م، كان الرئيس الليبي معمر القذافي مجتمعا برئيس وزرائه البغدادي المحمودي في خيمته بمعسكر باب العزيزية، فدخل أحد الحراس الشخصيين للقذافي وأعطاه ورقة صغيرة كانت تقول أن عبد الله السنوسي يريد مقابلتك لأمر هام جدا على إنفراد.

وعند وصول عبد الله السنوسي مدير المخابرات الليبيية وزوج أخت صفية فركاش الزوجة الثانية للعقيد معمر القذافي لباب الخيمة، طلب القذافي من رئيس وزرائه البغدادي بمغادرة المكان، وجلس السنوسي بدلا منه، فسأله القذافي ماذا بك يا سنوسي ؟

فتحدث السنوسي عن رصد الأجهزة الأمنية لإتصالات من مدينة جادو (شمال غرب ليبيا) بالسفارة الأميركية في طرابلس، وأن المتحدث من جادو كان يشتكي للسفارة الأميركية من سوء معاملة النظام الليبي للأمازيغ، ومنعهم من التحدث بلغتهم وقمع تراثهم ومضايقتهم.

وبعد أن أنهى السنوسي حكايته للقذافي عن تلك المكالمات، طلب القذافي من مدير مكتبه أحمد رمضان بإعداد زيارة له لمدينة جادو، ودعوة كل أعيان وقيادات الأمازيغ في جبل نفوسة لحضور ذلك الأجتماع الكبير، ويوم 15 أيار/مايو2008 أبلغ الأمازيغي سعيد أعيان الأمازيغ بنالوت وبكاباو بمجئ القذافي ليجتمع معهم.

وفي يوم 17 مايو/أيار 2008 وصل العقيد معمر القذافي إلى مدينة جادو وتحدث للأمازيغ، وقال لهم : يا أخواني أنتم عرب أقحاح واصولكم من شبه الجزيرة العربية، وهاجرتم الى ليبيا قبل الإسلام بمئات السنين وأستشهد بكتاب "حول عروبة البربر: مدخل إلى عروبة الأمازيغيين من خلال اللسان" للباحث العمانى سعيد بن عبد الله الدارودى، الذى أهتم ببرهنة عروبة البربر (الأمازيغ) من خلال اللسان، وهو الكتاب الذى شرح فيه الباحث العماني التشابة بين لهجة الأمازيغ باللهجات القديمة الظفارية والقحطانية في جنوب شبه الجزيرة العربية، بعد أن وضع قاموس مقارن بين مفردات البربرية (الأمازيغية) واللغة العربية، فى أربعة فصول شكّلت القسم الأكبر من الكتاب الذى يحتوى على 346 صفحة.

فى تلك الأثناء كانت السفارة الأميركية في طرابلس ترسل تقاريرها الى واشنطن حول عزمها التحرك ولقاء قيادات الأمازيغ في عاصمتهم غير الرسمية مدينة زوارة (تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، تبعد عن العاصمة طرابلس حوالي 120 كم غرباً وتبعد نحو 60 كم عن حدود تونس) وكذلك المتواجدين في مدن الأمازيغ في جبل نفوسة أو الجبل الغربي (اقصى شمال غرب ليبيا) حتى تحدث نائب السفير الأمريكي جون كريستوفر ستيفنز (وهو الشخص الذى عمل بعد ذلك كسفير للولايات المتحدة في ليبيا منذ أيار/ مايو 2012 حتى وفاته على يد مجموعة إرهابية فى بنغازي بتاريخ 11 سبتمبر/ايلول عام 2012) صراحة مع احمد عياد مدير الدائرة الأميركية في الخارجية الليبية، وقال له أنه يرغب في لقاء عدد من قيادات الأمازيغ في زوارة، ومن بينهم أمين المؤتمر الشعبي في المدينة حول التراث الأمازيغي وتقاليد الأقليات في ليبيا، وكان رد أحمد عياد أن ليبيا لا يوجد بها أمازيغ وكل الليبيين عرب، وأعتبر عياد أن هذا التصرف تدخل في الشؤون الداخلية وإنتهاك للسيادة الليبية، وسأل عياد موجها سؤاله لستيفنز: هل تسمحون لسفارتنا في واشنطن بالتحدث للأقليات في أميركا من السود والهنود الحمر والتشيكانو وغيرهم؟ وطبعا كان الصمت الذى يصل لدرجة الخرس هو أجابة ستيفنز على احمد عياد.

وفي بداية يونيو/حزيران 2008 أوقفت سيارة مدنية موكب نائب السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز على طريق المطار (طرابلس)، وخرج منها شخصان وطلبوا الاوراق الرسمية للدبلوماسيين الأميركيين وتصاريح الإقامة، وعندما سأل نائب السفير عن هويتهم، قالوا له.

 نحن تابعون للأمن الخارجي، وطلبوا منه أن يرافقهم الى المطار.

وفي مكتب الأمن الخارجي بالمطار جلس نائب السفير ومعه ضابطي إتصال بالسفارة، وكان أمامه مدير المكتب واطلع على أوراقهم وتصاريحهم، وقال أنه سيتأكد بنفسه من صحة الأوراق وأجرى عدة إتصالات ثم سألهم عن سبب ذهابهم الى سبها، ولم ينتظر منهم أجابة حتى قال لهم عودوا الى سفارتكم ويجب عليكم إبلاغنا في المرة المقبلة قبل 48 ساعة من الخروج من طرابلس.

وفي يوليو/تموز 2008 أصدرت الخارجية الليبية بيانا لجميع السفارات الأجنبية بمنع أي دبلوماسي أجنبي من الخروج من مدينة طرابلس الكبرى، ومحددة بدائرة قطرها 70 كم، وبنفس ذلك الشهر جلس على مأدبة عشاء في أحد المطاعم بطرابلس دبلوماسي أميركي بصحبة دبلوماسي مصري وآخر تونسي، وتحدث الأميركي عن إجراءات الخارجية الليبية ومنعهم من الخروج من طرابلس بغضب وإنفعال شديدين، فسأله الدبلوماسي التونسي وماذا ستفعلون؟

فأجاب الأميركي نحن سنلتزم بالقرار، فضحك الدبلوماسيان المصري والتونسي وقالوا نحن نذهب الى أي مكان في ليبيا ولا يوقفنا أحد.

حينها أدرك الأميركي أن قرار الخارجية الليبية المقصود منه هو وحده دون غيره، وأن الأمن الليبي على علم بكل ما كان يدور بين السفارة الأميركية فى طرابلس وبعض القيادات الأمازيغية، والأخطر هو ما كان يحضر له الاميركي فى المستقبل القريب عبر هولاء.

وفي أواخر يوليو/تموز 2008 أوقفت اجهزة الأمن الليبية دبلوماسي اميركي على الطريق الساحلية قرب صبراتة، وبعد التحقيق معه قال أنه ذاهب للقاء بقيادات الأمازيغ في زوارة، فتم إعادته الى طرابلس، بعد أن سحبوا منه كل أوراقه وتسليمها للإستخبارات الليبية.

وبعد يومين ارسلت الخارجية الليبية رسالة رسمية بأن الدبلوماسي الأميركي الذي قبض عليه خارج مدينة طرابلس غير مرغوب فيه، وعليه أن يغادر الأراضي الليبية خلال 48 ساعة بسبب خرقه لتعليمات السلطات الليبية وتدخله في الشؤون الداخلية للبلاد، فكان عاد الدبلوماسي الأمريكي إلى بلاده فى أول أغسطس/آب 2008.

وتمر الأيام والشهور والسنوات، وتحمل معها مفاجأت قاسية وسيناريوهات ومشاهد غير متوقعة، وتضرب ليبيا فوضى عارمة، ويغتال القذافي، كي يتم التخلص من الصداع المزمن الذى كان ملازما لادمغة ساركوزي وبيرلسكوني لسنوات، ويغتال السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز على يد صبيان وزيرة خارجية بلاده هيلاري كلينتون، وتصبح ليبيا مرتعا للتنظيمات الأرهابية ومن يدعمها من أجهزة إستخبارات دولية.

وتتحول ليبيا الى فراغ أمني وسياسي كبير، بعد أن كانت تزعج الفرنسي كثيرا فى مستعمراته القديمة بأفريقيا، فى ظل الحضور الليبي القوى بأفريقيا بعهد القذافي، وهو الفراغ الذى لم تعوضة أي دولة عربية حتى الأن، بل حل مكانه الفرنسي والإسرائيلي والتركي بأمتياز.

وتمر سنوات أخرى كي يأتى يونيو/حزيران الماضي لمحاولة إستعادة ولو جزء من كبرياء الدولة الليبية، عبر تحرير درنة والهلال النفطي، ويا للعجب، وللماضي الذى أحيانا يستدعيه الحاضر لكشف ما في خباياه، فبعد تحرير القوات المسلحة العربية الليبية للهلال النفطي، وقرار القيادة العامة لتسليم موانئ النفط للحكومة المؤقتة والمؤسسة الوطنية للنفط ببنغازي (شرق ليبيا) بدلا من حكومة (الوفاق ( (بطرابلس)، التى كانت توزع عائدات النفط على التنظيمات الإرهابية، حينها جن جنون حكومة روما بطرابلس المسماه بحكومة الوفاق، حتى خرج مصطفى صنع الله رئيس مجلس أدارة مؤسسة النفط الليبية (طرابلس) يوم 25 يونيو/حزيران الماضي، بعد ساعات قليلة من إعلان القيادة العامة لتسليم الموانئ النفطية لبنغازي، وصرح قائلا: "لا يوجد أي إختلاف بين القيادة العامة والإرهابي ابراهيم الجضران (من هاجم حقول الهلال النفطي)، وعلى الجيش إعادة الموانئ لمؤسسة النفط في طرابلس".

وحينها شعر بعض من فى طرابلس بالحرج بسبب تصريحات صنع الله، فلم يمر سوى ساعات قليلة على معركة كبرى بالهلال النفطي، قدم فيها الجيش الليبي شهداء وجرحى وتضحيات كبيرة للمرة الثانية لتحرير نفس الهلال النفطي، فى ظل عدم تحرك طرابلس، وفى الوقت الذى يبارك فيه المجتمع الدولي خطوة الجيش، لم يستطع صنع الله أن يتحكم في أعصابه حتى فلتت تماما، كي يصرح بما صرح به، ولكن لم يكن ذلك لسان صنع الله، بل لسان من يحرك كل عرائس المارونيت بروما.

وبعدها أجرى صنع الله كل الإتصالات المحلية والدولية للتدخل وإجبار الجيش الليبي على إعادة الموانئ له، حتى سافر صنع الله يوم 3يوليو /تموز الماضي الى تونس، كي يجتمع مع القائم بالأعمال المؤقت بالسفارة الأميركية لدى ليبيا جوشوا هاريس، وطلب منه صنع الله بتوسل التدخل لإعادة الموانئ النفطية لمؤسسة النفط في طرابلس.

ويا لذلك المشهد! ويا للتاريخ!

أتعلمون من هو جوشوا هاريس؟

أنه الدبلوماسي الأميركي الذى طردته الخارجية الليبية في بداية اغسطس/آب 2008في عهد القذافي، بسبب تدخله في الشؤون الداخلية للدولة الليبية، كي يقول بعدها لم أتخيل أن يأتي يوم وأرى فيه مسؤول ليبي يتوسل إلي للتدخل فى شؤون بلاده.

فالمدعو مصطفى صنع الله هو ومن على شاكلته من أناس فى وطننا العربي، أناس يقولون أن منهجم هو الإسلام السياسي، وغايتهم أستاذية العالم، ودستورهم هو القرأن، ولكن من ينظر لتجارب هولاء منذ نشأتهم، يدرك أن هولاء لم يكن لهم هدف الا تدمير أوطاننا، وتسليم بلادنا لمن صنعوا هولاء.

فلم نكن نتخيل يوما أن تدمر أوطاننا بحجة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويظهر أناس من وسطنا ومن دمنا ومن بني جلدتنا ويتكلمون بنفس لساننا، يكفروننا، ويقتلوننا، ويسلمون بلادنا لأعدائنا بأبخس الأثمان.

نعم لم تسقط أوطاننا الا بفعل هولاء الخونة، ولنا فى سوريا واليمن والعراق وليبيا قصص لا أول لها من أخر، وتلك واحدة منهم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل