الثورة المسروقة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 25 تشرين الأول , 2019 10:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

راودت الثورة احلام اللبنانيين منذ ولادة هذا النظام الطائفي الفاسد، الذي أغرقهم في حروب وانتفاضات دفعوا ثمنها غاليا من دمائهم وثرواتهم ومن أجيالهم الجديدة، التي تهاجر بحثاً عن وطن أكثر عدالة وحياة أفضل.

هذا النظام الذي رافقه الفساد منذ أن أنشىء على صيغة المحاصصة 6و6 مكرر القديمة. وكذلك على صيغة "مرقلي تمرقلك" التي حكمت علاقات السياسيين فيما بينهم. وهي التي دفعتهم مرات، كطبقة فاسدة ينتمي معظم أعضائها إلى بيوتات إقطاعية ومالية، إلى اشعال حروب داخلية عندما كانوا يتوجسون من حيوية أي حراك شعبي. وكان النزول إلى الشارع هو أدات الشعب المطلبية وليرد على ظلم النظام وفئويته التاريخية، خصوصاً أن النظام في لبنان كان وما يزال تعبيراً عن تحالف زعماء الطوائف وأصحاب الثروات. وصاحب دور ووظيفة في خدمة الدول الإستعمارية. وكذلك دول الجوار، خصوصاً تلك الغنية التي جعلها النفط صاحبة دور ونفوذ إقليمي.

لذلك، ليس غريباً أن ينزل اللبنانيون إلى الشوارع رفضاً لنظام يتهمون رموزه بسرقتهم. وجاء قرار فرض رسم على مكالمات "الواتس أب" في الهواتف الخلوية، إستفزازاً لهم من الحكومة التي يدين اللبنانيون معظم أعضائها بالفساد العلني، لانه عنى لهم أن

حكومة الرئيس سعد الحريري تريد تغطية عجزها المادي وإفقارها البلد من جيوبهم، فيما جيوب السياسيين والنافذين منتفخة من أموال الصفقات والتعهدات والمحاصصات.

لكن المفاجأة أن التحرك الشعبي الذي يفترض أن تقف خلفه قوى منظمة معروفة وذات برامج ومطالب واضحة، جاء بالشكل عفوياً، لكنه عملياً، هو منقاد من قوى لا تريد في الظرف الحالي الكشف عن هويتها، لا يستبعد كثيرون أنها قوى تتبع سفارات معروفة، تتولى تنظيم الحراك وتمويله وتأمين حاجات المشاركين فيه، من طعام وشراب وتنقل وادواة ولوازم. وهذا دفع كثير من اللبنانيين للتوجس من تكرار ما جرى في العرق مؤخراً، حيث تم حرف حراك شعبي ضد الفساد، ليتحول بفعل الوجود والنفوذ الأميركي في العراق، من استهداف للفاسدين الذين دخلوا العراق على ظهر الدبابات الأميركية، إلى إستهداف للقوى التي قاتلت الأميركي وكان لها الفضل في هزيمة ما صنعه الإحتلال الأميركي وهو تنظيم "داعش" التكفيري.

مرالأسبوع الأول على الحراك الشعبي اللبناني وقيادته مجهولة وشعاراته ضبابية، وسط رفض للدعوات إلى تنظيم هذا الحراك واختيار قيادة تضع له أهدافاً واضحة وشفافة، فيما قوى وأحزاب مشهورة بفسادها وتورطها في إرتكابات مشهودة، تشارك في هذا الحراك وتطالب بمحاربة الفساد، لكن المواطن اللبناني يعرف أن الفاسد لا يمكن أن يثور على فاسد مثله؟ ومن يضمن أن لا يحرف الحراك عن هدفه في مواجهة الفاسدين، إلى إستهداف من حمى البلد من العدوانين الصهيوني والتكفيري، اللذين يعتبر الفاسدون امتداداً سياسياً محلياً لهما.

والأخطر في هذا الحراك، هو سعيه لتفجير صراعات في بيئات محددة مثل بيئة المقاومة. وتجنبه إزعاج زعامات وقادة أحزاب وطوائف سمتهم الفساد والتعدي على أملاك الدولة والإثراء الفاحش من جيوب الناس ومن الصفقات والإحتكارات. بما يؤكد صحة المخاوف من سعي أميركي –سعودي لتكرار أحداث العراق الأخيرة، ليكون حزب الله وجهتهم هذه المرة، خصوصاً بعدما زار لبنان موفدان أميركيان رفيعان، كان جلياً وعلنياً ضغطهما وتهديدهما لساسة لبنانيين ليتخذوا مواقف معادية للمقاومة ومؤيدة ومساعدة للعقوبات الأميركية غير الشرعية، بحق كل ما يمت إلى المقاومة في لبنان بصلة.

كما أن الحراك ضائع في المطالب المتضاربة والفردية، في حين أن رفع مطالب مثل: تطبيق القانون، محاكمة الفاسدين واستعادة المال المنهوب، تكفي لزلزلة هذا النظام من أساسه.

في المقابل يصر محركو التظاهرات على رفع شعار مثل "الشعب يريد اسقاط النظام"، في ببغائية ومحاكات لما جرى في بعض الدول العربية، كان ستاراً لتخريب تلك الدول ونشر الفوضى فيها.

كذلك يركزون على شعار مثل: "كلن يعني كلن"، إما نتيجة غباء، أو سعياً لفتنة، فهل يقصدون به أن كل النواب والوزراء والرؤساء، الحاليين والسابقين فاسدون؟ الأحياء منهم والأموات؟ وهل يجرؤون على القول أنهم يقصدون المرجعيات الدينية ؟ وماذا تركوا لدور القضاء؟ في حين أن تطبيق القانون بجدية يكفل كشف الفاسد وملاحقته وانصاف من لم يلوث يديه بالمال الحرام. في حين أن كل مظاهر الفساد ترافق هذا الحراك، مثل إستقدام راقصات وكسر محرمات أخلاقية واجتماعية وممارسات لا أخلاقية في ليل الإعتصامات، تشهد عليها الدعوات للإنصراف في ساعات محددة تجنباً لتلك الموبقات.

واللافت أيضاً، محاولة محركي هذه التظاهرات تجنب إدانة مصرف لبنان وحاكمه، المتسبب في هدر عشرات مليارات الدولارات من مال الدولة على هندسات مالية، كانت تنفيعات ورشى لقوى سياسية ومالية، لأهداف ليست خافية على اللبنانيين. في وقت يقال أن الدولة دفعت للمصارف 62 مليار دولارخلال السنوات العشر الأخيرة. وهذا أحد أبرز أسباب الأزمة الإقتصادية. كما سجل تجنب معظم الفضائيات تغطية الإحتجاجات أمام المصرف المركزي، لأن حاكمه أعطاها قروضاً من دون فوائد وضعتها في مصارف أخرى بفائدة 15 في المائة. ومن السخرية الفاقعة، أن يتجنب تحرك شعبي ضد الفساد ونهب المال العام، التعرض لشركة "سوليدير" رغم أنها رمز لتسلط الحاكم ونهبه مال الشعب وإثرائه غير المشروع على حساب اللبنانيين.

وهناك من يربط بين "فكرة المؤامرة" هذه وبين الكلام عن قيام الوزير القواتي غسان حاصباني، بنصح وزير الإتصالات محمد شقير الأخذ باقتراح وضع رسم "الواتس أب"، فهل كان ذلك مقصوداً ليكون شرارة تحريك الشارع وتضليله ليستهدف الطرف الأساس في محاربة الفساد وعدم الإنغماس فيه؟

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل