هل يتركز الصراع في شمال افريقيا؟ ـ عدنان الساحلي

الجمعة 21 حزيران , 2019 02:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تتجمع دلائل عدة لترسم إشارات عن إنتقال الحرب الدموية والمدمرة، التي شنت على بعض دول مشرق الوطن العربي ومغربه، لتحط رحالها بكل حدتها، في الشمال الأفريقي العربي وجواره، بعد فشل الحرب على سورية وخروج العراق أقوى مما كان عليه قبل هجمة تنظيم "داعش"، التي كانت منسقة أميركياً وتركيا وسعودياً؛ ونتيجة تمسك الأطراف المخططة والمنسقة لهذه الهجمة بمشروعها، خصوصاً بعدما تبين فشلها في تحقيق هدفها الأكبر وهو إخضاع المنطقة لتقبل "صفقة القرن"، التي تعمل لإلغاء القضية الفلسطينية وإقامة تحالف علني بين أنظمة عربية والعدو "الإسرائيلي"، بما يحقق الأمن والديمومة للكيان الصهيوني الذي يغتصب فلسطين ويشرد شعبها.   

أول هذه الدلائل ما شهدته تونس خلال الأسبوع الماضي، من إعتراض شعبي واسع، أكد فيه الشعب التونسي مرة جديدة حيويته، في مقاومة التطبيع مع العدو "الاسرائيلي". حيث تحركت مختلف القوى الشعبية التونسية بعد شيوع خبر قيام وفود صهيونية بزيارات سياحية الى تونس، بموافقة وزير السياحة فيها رينيه طرابلسي. وكان يوم غضب تظاهر فيه الآلاف "ضد سياسة التطبيع التي يعتمدها الحكم في تونس". أكد فيه المحتجون أن بلادهم "لن تكون جسراً لتمرير صفقة القرن".وأنهم "سيقاومون الصهيونية بكل الأشكال". وجرموا "كل أنواع التطبيع مع كيان العدو الصهيوني".

ما جرى يؤكد إستكلاب التحالف الأميركي- "الإسرائيلي" - الرجعي العربي ف لتحقيق أي مظهر من مظاهر التطبيع الشعبي العربي مع الصهاينة، في وقت لم تنته فيه الحروب التي إفتعلها الغرب بواسطة هذا التحالف في أكثر من بلد عربي شمال أفريقي، خصوصاً في ليبيا، التي يبدو أن التدخل الدولي لحل أزمتها ووقف الحرب الدائرة فيها يقرأ من عنوانه، فممثل البعثة الدولية في ليبيا هو اللبناني غسان سلامة، الذي يعرف اللبنانيون إنحيازه وخضوعه لرغبات القوى الغربية الدولية والعربية النفطية.

سلامة الذي عقد إجتماعات مع طرفي الأزمة في ليبيا، أوهم الليبيين بأن الحل بات على الأبواب. وأن الطرفين اتفقا على إنهاء المرحلة الانتقالية بواسطة انتخابات عامة وإستفتاء على الدستور. لكن الذي حدث أن الحرب إشتد إوارها والدمار توسع وأزمة ليبيا إزدادت تعقيداً، تحت أنظار سلامة وبعثته الدولية. وإذا كان تدخل السعودية وحلفائها بحجة مواجهة حكومة فائز السراج المحسوبة على "الإخوان المسلمين"، فإن الحديث جار عن أن السعودية بدعمها اللامحدود للحرب في ليبيا بالمال والسلاح، هو كذلك لنشر الفكر الوهابي، تمكيناً للإستبداد والتخلف من التحكم بهذا البلد العربي. وإذا عطفنا ما يجري في ليبيا، على ما تشهده الجزائر والسودان وسورية والعراق واليمن، يتبين بوضوح أن الحرب تستهدف كل دولة عربية يمكن أن تشكل عائقاً أمام "صفقة القرن". في حين يتم تحييد الدول القابلة بهذه الصفقة، مثل الإمارات والبحرين والمغرب وغيرها. وهذا الدليل الثاني.

أما الدليل الثالث، فهو إتفاق معظم التقارير الصحافية على أن أفريقيا وخصوصاً دول «الساحل والصحراء» وهي قبلة مطامع الدول الكبرى وبؤرة صراع دولي، باتت وجهةً التنظيمات الإرهابية المفضلة خلال السنوات المقبلة وملاذ فلول «داعش» الفارين من حطام "دولتهم" المزعومة في سورية والعراق. وما إطالة أمد الحرب في ليبيا إلا لجعلها منطلقاً "داعشياً" للتوسع نحو منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، حيث تحالف تنظيما «داعش» و«بوكو حرام»وهما ينشران القتل والدمار في نيجيريا ومناطق بحيرة تشاد وجنوب النيجر وشمال الكاميرون. وحسب التقارير الإعلامية فقد جرى تشكيل ما يسُمى «جيش الصحراء»، بقيادة شخص ليبي يدعى «أبو البركات»، إلى جانب تواجد قادة آخرين، مثل أبومعاذ في درنة وهو قائد ما يسمى بلواء صلاح الدين وهو «داعشي» وغيرهما. وبتواجد هؤلاء مع فلتان المناطق الحدودية، سيتم تمددهم باتجاهات لا محدودة، خصوصاً مع وجود تحالف هناك بين «داعش» و«القاعدة»، بخلاف ما حدث في سوريا. وهو الأمر الذي فضحه تصريح لأبو وليد الصحراوي الـ«داعشي» عن تعاونه مع جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي تنتمي لـ«القاعدة».

ولطالما تحدثت صحف أوروبية، عن «تشكيل تنظيم القاعدة في شمال غرب أفريقيا، تحت مسمى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وأن «الحركة تورطت بقوة في الهجمات الإرهابية واحتلال شمال مالي لمدة سنتين». كما وردت تقارير حول تزايد التعاون بين «البوليساريو» وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ولا يمكن إغفال الدورين القطري والتركي هناك وتسليحهما لجماعات مسلحة في ليبيا. وكذلك ضبط السلطات القبرصية باخرة تركية مُحملة بأسلحة كانت مُتجهة إلى مصراته الليبية.

وهناك تحذيرات من إمكانية عودة نحو 6 آلاف مقاتل أفريقي قاتلوا في صفوف «داعش» إلى القارة السمراء، في تكرار لما حدث في الجزائر عقب عودة مقاتليه من أفغانستان، حيث أنشأوا في حينها "الجماعة الإسلامية المسلحة" وتسببوا بحرب أفنت أكثر من 200 ألف ضحية. والتنسيق بين تنظيمي الإرهاب الدولي، يؤكد أن الخلاف بين عناصر هذا المحور لا يعني عدم إنسياقهم تحت سقف الأوامر الأميركية، بحيث يتم استعمال هذه الجماعات لإستكمال حرب "صفقة القرن" للتدمير والإلهاء والإخضاع واستنزاف المقدارت. ولو تنبهنا إلى تصريحات أيمن الظواهري ودعوته لقتال فرنسا في دول «الساحل والصحراء» لعرفنا مآل المساعي السعودية والخليجية والتركية الموجهة أميركياً. فلتنظيم «داعش» ثلاث ولايات في الأراضي الليبية هي طرابلس، برقة وفزان. والحديث يجري عن وجود آلاف المقاتلين من الجهتين، مما يدعونا إلى تركيز الأنظار نحو ما يخطط لتلك البلاد. من دون أن ننسى فلسطين وما يدور عليها وحولها.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل