طبخة "بحص" الموازنة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 10 أيار , 2019 10:11 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم تصدق الحكومة اللبنانية برئاستها أو بوزرائها حتى الساعة، الوعود التي تطلقها بين الفينة والفينة، بانجاز الموازنة العامة وإتمام مناقشتها ومن ثم إحالتها إلى المجلس النيابي. وآخر موعد ضرب لتكون فيه الموازنة جاهزة كان اليوم الجمعة العاشر من الشهر الحالي، الموافق أول جمعة من شهر رمضان المبارك.

لكن كل الدلائل والتصريحات تؤكد ان جدال الموازنة سيمتد إلى ما بعد هذا اليوم، بما يعني أن مسرحية تضييع الوقت والتكاذب واللعب على أعصاب المواطنين؛ وكذلك على حدود القوانين، مستمر حتى في شهر رمضان، شهر توبة العاصين ليستحقوا غفران رب العالمين. وهو أمر يبدو أن القائمين على أموال الشعب اللبناني ليسوا في وارد السعي إليه. فدنيويتهم تغلبت على كل مشاعرهم الإنسانية والإيمانية، كيف لا وهم يمثلون الرأسمال المتوحش الذي أثرى ثراء فاحشاً، على حساب مراكمة أكثر من مائة مليار دولار أميركي ديوناً على كاهل اللبنانيين. فنحن أمام حفنة من المستثمرين يتحكمون بمصير لبنان وشعبه ولسنا أمام رجال دولة يهتمون بمصير الوطن وشعبه.

يتنافس المسؤولون في تسريب خبريات "خطة الإنقاذ" التي يدعونها لمنع الإنهيار الإقتصادي للبلاد. ساعة سيحسمون نسبة من الرواتب وساعة أخرى سيتجنبون المسّ بها وبمداخيل الفقراء ومحدودي الدخل. وساعة يقاربون ملف الأملاك البحرية والنهرية، ثم يردعهم عن ذلك كونهم ومحاسيبهم هم المعتدون على هذه الأملاك العامة. وساعة يوحون بأنهم سيفرضون على المصارف تخفيض فوائدها على ديون الدولة، بعد أن ضاعفت أرباحها ورأسمالها مرات ومرات، منذ أن جاء من يقترض منها بفائدة بلغت أربعين في المائة؛ وهو من أصحاب هذه المصارف، التي لا تريد المساهمة في إنقاذ خزينة ساهمت هي في إفراغها. فهي كما قال كبار أصحابها ليست جمعيات خيرية. وإن قبلت المساهمة فلها شروط على نسق الشروط التي فرضها مؤتمر "سيدر" الأخير.

لكن هذه المصارف في الوقت نفسه، تناقض نفسها عندما تتصرف ك"مؤسسات وطنية" تفرض على مصرف لبنان معالجة أي تعثر تشكو منه، عن طريق الهندسات المالية التي استهلكت، حسب آخر الارقام المتداولة، سبعة مليارات دولار من أموال اللبنانيين، لصالح دعم رؤوس أموالها.

هذا الإرتباك الذي يسود حركة الحكومة وموازنتها، إنتقل إلى حركة الشارع، فتارة تعلن الجهات التي نزلت إلى الشارع خلال الآسابيع الماضية عن تعليق تحركاتها. وطوراً "تستنفر" وتعلن العودة إلى الإضراب والتظاهر. وها هي الإضرابات الشاملة والدعوة إلى التظاهر، عادت بقوة هذه الجمعة، مع عودة الكلام عن تراجع المعنيين عن وعودهم بعدم مد ايديهم إلى رواتب موظفي الدولة. وأن نقاشهم هو على النسب وعلى الفئات التي سيطالها هذا الحسم. لذلك، حتى سلك القضاء لم يستثنى نفسه من الإضرابات المعلنة وان أسماه "إعتكافاً". بل أن الإضرابات باتت أشبه بمباريات يديرها أهل الحكم، يختبرون فيها حجم القوى التي سيستهدفونها باتاواتهم. وبات البعض يصرح بأن أهل السلطة مختلفين على توزيع الخسائر فيما بينهم، بعدما تحاصصوا سابقاً في توزيع الغنائم.

تريد الحكومة تخفيض الميزانية 1200 مليار ليرة عن موازنة العام الماضي. وهي بامكانها تأمين هذا المبلغ بكل سهولة اذا تخطت محميات النافذين وتجرأت على نفسها بإستيفاء أموال الدولة من شاغلي الأملاك البحرية. أو ضبطت ولاحقت التهرب الضريبي والجمركي. أو استوردت حاجة البلاد من النفط مباشرة وليس عبر السماسرة والتجار وهم من كبار السياسيين، بما يوقف عجز الكهرباء.

والمشكلة أن القطاعات الوظيفية ذاتها، تراصفت خلف مصالحها ورواتبها، في حين أن معظمها كان صامتاً وغير مبال طوال الفترة السابقة التي جرت فيها عمليات النهب والإستدانة التي أوقعت الموازنة في العجز. خصوصاً أن خدمة الدين العام تبلغ ثلث الموازنة العامة. ولولا تلك الديون لما كان هذا العجز.

والأسوأ أن الحكومة مجتمعة، تمارس صمت القبور أمام ما تردد عن عرض صيني لها يفوق قروض "سيدر" ويغطي كل المشاريع التي يشملها، لكن من دون شروط. فهل تحدث معجزة تخرج لبنان من هذه الدائرة المفرغة التي يبتزه فيها سياسيوه ومتمولوه ويهددونه حتى بقيمة ليرته الوطنية، خدمة لآجندات خارجية باتت معروفة؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل