التدمير العربي الذاتي -المرحلة الثانية ـ يونس عودة

الثلاثاء 09 نيسان , 2019 01:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مع اشتعال ساحات عربية جديدة، كانت بمنأى عن مرحلة التدمير الأولى تحت شعار "الربيع العربي"، لا يبدو أن الأهداف غير متلاصقة في استهداف الأمن الوطني لكل بلد بمفرده، واستهادف الأمن القومي برمته في سياق الأهداف الأميركية البعيدة المدى.

يتعاظم الحديث في الأردن عن استهداف الأمن القومي، عبر" تسريع إعادة إنتاج المؤامرة"، والسبب الرئيسي يكمن في عدم استجابة الأردن للخطة الأميركية في فرض "صفقة القرن " التي لم تعلن كامل تفاصيلها سيما ما يتعلق بالقدس ومصير الضفة الغربية، والتي أعلن رئيس الوزراء الصهيوني نيته في ضم المسوطنات الموجودة في الضفة إذا فاز برئاسة الحكومة الإسرائيلية من جهة وإلحاق ما يتبقى من الضفة بقطاع غزة وجزء من سيناء - أي سلخ الفلسطينيين  عن الضفة الشرقية والتمسك بشرق الأردن، وبالتالي إيجاد شرخ بين الضفتين على قواعد عشائرية تنتج فتناً في مرحلة لاحقة.

وفي سياق إدارة الفتننة، لم تتوان الإدارة الأميركية عن التحريض على إصدار بيانات ضد السلطة بسقوف عالية تتناول الملك للمرة الأولى، رغم أن النظام الأردني لم يكن يوماً خارج المنظومة الغربية- الأميركية في المنطقة، ولم يتخلف  مرة عن تلبية المصالح الأميركية -الإسرائيلية، لا بل جعل من نفسه قاعدة غير مسبوقة للعدوان على سوريا، عبر غرفة "موك " السيئة السمعة في إدارة العمليات على الجبهة الجنوبية في سوريا ، وتأمين ملاذ آمن لفصائل إرهابية، وبالأخص لمنظمة "الخوذ البيضاء" المتورطة في أفلام استخدام القذائف المحشوة بمواد كيميائية.

وتجزم مصادر أردنية أنه بعد قناعة الأردن بفشل الحرب على سوريا، والعمل على الانفتاح ، وفتح المعابر بين البلدين، وإعلان عدم القدرة على تحمل ما يجري في مخيم الركبان خصوصاً ومجموع اللاجئين عموماً، معطوفة على رفض القرارات  الأميركية سواء فيما خص القدس أو الجولان ولاحقاً ما يتعلق  بمشروع نتنياهو بشأن الضفتين، جعل الأردن في عين العاصفة الأمنية الأميركية - الإسرائيلية، من خلال حشر النظام، إما الموافقة، أو الاستعداد لسيناريو يشبه ما حصل في بلدان عربية أخرى، يكون الإخوان المسلمون رأس الحربة فيه، والاستفادة من الأزمة السياسية والاقتصادية والفساد، ومن هذا المنفذ المنطقي كحق للشعب معالجة أسبابه وإنزال العقاب بالمسؤولين عنه، كحق يراد به باطل، بدأت باستثارة الشارع لهذه الغاية، وحشر النظام في الزاوية نفسها، أي إذا قام بقمع التظاهرات تنتصر واشنطن كعادتها لما تسميه حريات وديمقراطية، وبالتالي إفلات الشارع المتنبه  لما جرى في سوريا من عقاله، سيما مع حركة تسليح متدرجة، وقد ضبط الأمن الأردني بعض المخازن في مناطق مختلفة.

وإذا كان وضع الأردن فعلاً على كف عفريت، فإن الوضع في السودان لا يقل خطورة، والغريب أنه تم اكتشاف الفساد، والأزمة الاقتصادية بعد أقل من 48 ساعة على زيارة الرئيس عمر البشير إلى سوريا كأول رئيس عربي بعد التيقن أن سوريا باتت في المراحل النهائية من أزمتها، فتدحرجت حركة الشارع بسرعة إلى حد كبير وصلت إلى أبواب القصر الجمهوري، والسبب أنه ليس مسموحاً للبشير صاحب النشأة الإخوانية بكل صفاتها أن يخرج عن الخط  المرسوم للإخوان في الصراع، أي تركيا - قطر في المنظقة، مع استعادة الولايات المتحدة شعارات حقوق الإنسان والفساد، وإعادة قرار المحكمة الجنائية باعتقال البشير إلى الواجهة بعدما تم سحبه من التداول حين أرسل البشير الآلاف الجنود للمشاركة في العدوان على اليمن. ولذلك يستمر ضغط التأزيم  مع شائعات بهروب البشير بعد حدوث انقلاب عسكري - لم يحصل. وسوف يستمر الوضع السوداني على خطورته إلى أجل يضطر فيه أحد الأطراف إلى التنازل، والبشير في هذا الموضوع سباق، والتخلي عن الجنوب مقابل البقاء في السلطة دليل ساطع.

وعلى خط الأوضاع في الاردن والسودان، تسير الأزمة السياسية في الجزائر في خطى حثيثة نحو الانقلاب السياسي، عبر محاكمة مرحلة كاملة ضد الاستعمار التي قادتها جبهة التحرير الحاكمة حتى الساعة، والملاحظ تدرج الخطة من رفض ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية خامسة - وهو بكل الأحوال آن له أن يترجل -إلى محاكمة النظام ورموزه، بعد الاستجابة لرغبة المتظاهرين الذين لم يتعامل معهم بالقوة إطلاقاً، وهو النظام الذي لم يفرط سياسياً بأي من حقوق الجزائر ولا بالقضايا العربية ولا سيما القضية الفلسطينية، وتميز بمواقفه عن بقية الأقطار في الجامعة العربية تجاه سوريا وأزمتها، وهذا لا يمنع محاكمة الفاسدين، لكن يبدو أن هناك لاعبين في الخفاء طمعاً في السلطة ضمن المشروع الكبير في تحويل الدول العربية في مشارقها ومغاربها إلى دويلات متناحرة داخلياً، والجزائر بتركيبتها الإثنية التي لن تتركها الدول الاستعمارية القديمة منها والجديدة لحالها في استثمار ثراوتها، والانتقام من نموذجها في المقاومة ضد الاستعمار، ولذلك كانت الخطوة الأولى في اعتقال أبرز رافعة تمويلية في النظام  رجل الاقتصاد علي حداد باعتباره مقرباً من بوتفليقة وإصدار منع سفر لأكثر من مئة شخصية، والتحقيق مع 12 شخصية مقربة أيضاً من الرئيس، مع الترويج لشخصية رئيس الأركان أحمد قايد صالح بأنه قرين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - أي المنقذ - رغم بلوغه الـ79 من العمر.

هذه الصورة عن بلدان عربية كانت بعيدة عن تأثيرات المرحلة الأولى من الخطة التدميرية المسماة الربيع العربي، ويبدو أن التوقيت الأميركي قد حل لتخريبها الآن بغض النظر عن التعارضات السياسية فيما بينها.   


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل