الجولان .. أمام مخاطر القَضم والتَهويد ـ أمين أبو راشد

الأربعاء 03 نيسان , 2019 09:54 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لا نرى قيمة لما قرره القادة العرب منذ أيام في قِمَّة تونس، بالتَوجُّه الى مجلس الأمن لإستصدار قرارٍ مُضاد لقرار الولايات المتحدة الإعتراف بسيادة "إسرائيل" على هضبة الجولان السورية المُحتلَّة، لأن هناك قراراً أممياً بالإجماع، يحمِل الرقم 497 تاريخ 17 كانون الأول / ديسمبر 1981، يعتبر أن "قرار إسرائيل فرض قوانينها وولايتها وإدارتها في مرتفعات الجولان المحتلة لاغٍ وباطل وليس له أي أثر قانوني دولي". وبمرور 38 عاماً على هكذا قرار، تأتي الخطوة العربية عاجزة وقاصرة عن مُقاربة الأمور، نتيجة رفض إسرائيل تنفيذ كافة القرارات الدولية ذات الصِلَة بالأراضي العربية المحتلة، والفيتو الأميركي الذي سوف يتصدَّى لأي قرار يمسّ بالكيان الصهيوني، وبالتالي فإن مواجهة قرار ترامب لا تُفيد عبر قرارات ورقية، وتحرير لبنان لأراضيه عبر المقاومة، هو خير مثال على ضرورة تجاوز هشاشة القرارات الأممية، وكان هو الحلّ الأنجع والأوحد، أمام عجز الأمم المتحدة عن تطبيق قراراتها وهزالة المواقف العربية في الفعل وردود الفعل.

إثنان وخمسون عاماً على احتلال الجولان عام 1967، وثمانية وثلاثون عاماً على قرار إسرائيل ضمَّ تلك المرتفعات إليها، وكان العرب في حالٍ أفضل من اليوم ولم يتمكنوا من تفعيل القرار الأممي رقم 497، فأي قرارٍ يسعون اليوم الى استصداره من الأمم المتحدة، وبعضهم بات على علاقة ديبلوماسية مع إسرائيل (مصر والأردن)، والبعض الآخر دخل مرحلة التطبيع معها كما هو حال بعض دول الخليج وفي طليعتها السعودية. وإذا كان موقف  العرب مُتخاذلاً من نقل الولايات المتحدة سفارتها الى القدس، وتبعتها منذ يومين البرازيل عبر افتتاح قنصلية لتسهيل التبادل الإستثماري والتجاري، فلا نعتقد أن الجولان عند العرب أقدس من القدس، سيما وأن كل سوريا العروبة والمقاومة ممنوعة لغاية الآن من العودة الى الجامعة العربية.

نرمي خلفنا كل مقررات قِمَم العرب، ونُبدي الخوف الجدِّي على الجولان، لأن قرار ترامب بشأنها يبدو وكأنه بند من وثيقة صفقة القرن، وإذا قال قائلٌ أن القرارات الأميركية لا تُلزِم سوى الولايات المتحدة، فإن لإسرائيل ألاعيبها في القضم والتهويد عبر إقامة المستوطنات، بدليل، أن حلّ الدولتين في فلسطين أكثر ما تُعرقله هي المستوطنات التي أقامتها إسرائيل على أراضِ يُفترض أنها ستكون فلسطينية لو تمّ البحث في حلِّ الدولتين، وإسرائيل ماضية في بناء المستوطنات للقضاء على الحلم الفلسطيني، وقد تكون الجولان السورية تعويضاً في البرّ عن مياه طبريا على سبيل المثال لا الحصر، لو مضى ترامب بصفقة القرن التي قد تمرّ فوق الأراضي الأردنية أيضاً.

والخطر الأكبر على الجولان، أنه فور صدور قرار ترامب بوضعها تحت السيادة الإسرائيلية، كشفت إسرائيل عبر وسائل إعلامها، عن البدء بتنفيذ خطة إسكان ربع  مليون مستوطن في الجولان المحتلَّة على مدى ثلاثة عقود عبر، إقامة ثلاثين ألف وحدة سكنية، وعن زيادة عدد سكان مدينة "كاتسرين" الاستيطانية في الجولان المحتل ثلاثة أضعاف، فضلاً عن إقامة مدينتين جديدتين، والأخطر من كل ذلك، أن الخطة تشمل توفير فرص عمل ومشاريع في مجاليّ المواصلات والسياحة، بحيث أن إسرائيل سوف "تشتري" رضا أبناء الجولان الدروز عبر إزدهارٍ مشبوه.

لا نُشكِّك بقومية وعروبة أبناء الجولان، ولا برفضهم السيادة الإسرائيلية على مرتفعات يعتبرونها سورية، لكن القاطنين منهم في الجزء المُحتل قد تأقلموا مع الواقع، وينظِّمون لقاءات إجتماعية عبر شريطٍ فاصل نتيجة التصاهُر مع القاطنين في المقلب السوري ، ويعتمدون في تصريف إنتاجهم الزراعي وخاصة التفاح على الأذونات الإسرائيلية، لا بل أن حياتهم الإقتصادية باتت مُندمِجة مع الإسرائيليين نتيجة إجراءات الإحتلال.

وبما أنه لا حلّ لإستعادة الجولان حالياً عبر حربٍ سورية إسرائيلية، لأن دمشق بحُكمِ موقعها تحت مرتفعات الجولان ستدفع الثمن دماراً، إضافة الى أن الحرب لن تقتصر على جبهة الجولان، بل ستتمدَّد الى لبنان بواقع مجاورة شبعا وكفرشوبا لها، وموقف المقاومة في لبنان معروف في حال نشوب هكذا حرب، ولذلك، لا يبقى على أبناء الجولان حالياً في الداخل المُحتلّ، سوى اعتماد الإنتفاضات لمواجهة أي مشروع لبناء مستوطنات جديدة قد تُحدِث تغييراً ديموغرافياً كأمرٍ واقعٍ في المستقبل، وخلاف ذلك، سيدوم الإحتلال للجولان، وقوننته لاحقاً عبر تشريع المستوطنات، وهذه الكارثة قادمة بمُباركة أميركية وصمت عربي أشبه بصمت القبور...

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل