الخصخصة .. وكر الفاسدين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 15 آذار , 2019 09:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

احتارت جماعات "الفساد المنظّم" كيف تتبرأ من الحملة التي يشنها حزب الله على الفساد والفاسدين. وأصاب الخرس ألسنتها بعد أن كانت تزايد في مناهضتها الكلامية لهذه الآفة، التي دمرت إقتصاد لبنان وجوعت وهجرت شعبه، علماً أن أصوات عشرات النواب من جميع الكتل، الذين تحدثوا في جلسات الثقة بالحكومة و"هاجموا الفساد" مع تجهيلهم الفاعل، ما تزال أصداؤها ترن في آذان اللبنانيين.

البعض شكك في جدية الحملة. والبعض الآخر تذكر معزوفة السلاح ليبعد الأنظار عن الفاسدين.وغيرهم تضامن مع من تنطح ووضع نفسه في موقع المتهم، حتى أن كبيرهم رأى أن الحديث عن الفساد هو خدمة للفاسدين.

هذا التصدي لحملة مقاومة الفساد لم يكن متوقعاً بهذا الوضوح وهذه الحدة، لكن المرتكب في معظم الأحيان يدرك حجم جريمته قبل أن يدركها القاضي ورجل القانون.

يعرف الفاسدون أن الحرب ضد الفساد هي ألف باء بناء دولة تستحق اسمها. وبالتالي، فإن هذه الحرب الناعمة، لا طائل منها ما لم تمتد الى النظام السياسي والخيار الإقتصادي المعتمد، اللذين سهلا سبل الفساد ووفرا حماية الفاسدين، إذ بات معروفاً أن تخريب وتدمير إدارات الدولة ومؤسساتها على أيدي أزلام الزعامات المفسدة المزروعين في تلك الدوائر والمؤسسات، هو طريق الدعوة لخصخصة تلك الإدارات بادعاء فشلها. واستملاكها تاليا من قبل أهل السلطة، باعتبار أنهم هم في الوقت نفسه المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال. وعندما تتم مقاومة الفساد وملاحقة الفاسد، تراه يحتمي برموزه الطائفية التي صنعها بيديه باعتباره صاحب القرار السياسي.

كيف تخصخص بلداً بكامله وتجعله رهن خياراتك السياسية والإقتصادية، هو عنوان مرحلة شهدناها منذ عام 1993 حتى اليوم. بالطبع يتم ذلك عبر تدمير وتخريب قطاعاته الإنتاجية والسيطرة على مفاتيح قطاعه الخاص وخصخصة قطاعه العام. وليست المشكلة فقط، كما قال مدير المالية ألان بيفاني ووافقه خبراء اقتصاديون، في مشكلة الأحد عشر مليار دولار التي صرفت في غير أبوابها القانونية. إنما المشكلة الأكبر أن قيود المال العام منذ العام 1993 حتى 2017 فيها أخطاء وتلاعب، تستوي بذلك حكومات السنيورة مع حكومات الحريري وحكومة الميقاتي. هو خيار وسياسة اقتصادية دمرا البلد وأفقرا شعبه وهجرا شبابه، من خلال اطلاقهما العنان لمنطق الريع على حساب الإنتاج. هذا الخيار الذي صرف مئات مليارات الدولارات التي دخلت إلى البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية، وكان مفترضاً أن يقدم للبنانيين بلداً نموذجياً بخدماته ورفاهية شعبه، فاذ به يحملنا ديوناً تفوق المائة مليار دولار، فوق الثروة التي بددها هدراً وسرقة وثراء لأفراد على حساب كل اللبنانيين. وهذا الخيار الذي طالما تاجر بشعارات السيادة والعبور إلى الدولة، نراه اليوم ينخرط في المشروع الأميركي الساعي إلى توطين النازحين السوريين في لبنان نكاية بدولتهم. كما يسكت ويتواطأ مع المطامع "الإسرائيلية" لأنه يرفض المقاومة.

جرى عدم الإنتظام في مالية الدولة عن قصد، باعتراف كل العارفين، للتغطية على الهدر والصرف غير المقونن (أي السرقة)، من جهة، ولدفع لبنان للإنخراط في مشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني من جهة ثانية، بحجة أن هذاالتطبيع إذا حصل سيؤدي للإيفاء بكل ديون لبنان بالمال الخليجي الذي دمر بلداناً عربية بكاملها، حتى لا تكون عثرة أمام تشريع الوجود الصهيوني عربياً وإسلامياً. وما الخلاف حول مؤتمري "سيدر" و"بروكسل" الأخيرين، إلا نموذجاً عن سلوك هذا الخيار السياسي-الإقتصادي القائم.

لذلك فإن دعوات التغيير ومحاربة الفساد ستكون حرباً ضد أشباح لا طائل منها، ما لم تعالج أصل المرض وهو مشروع خصخصة البلد الذي أطلق كل الآفات من جحورها.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل