الثبات ـ لبنان
نشرت المفكرة القانونية الأسباب الموجبة لمسوّدة اقتراح قانون استقلالية القضاء المالي وأصول الرقابة والمحاكمة أمامه، فكان لا بد من التطرق إلى حيثيات الموضوع ولو بشكل مسهب، وإعادة مراجعة قانون ديوان المحاسبة لما له من صلاحيات وكيفية التأسيس، مع الولوج إلى المسوّدة وأسبابها لاحقاً...
يعود تأسيس ديوان المحاسبة في لبنان إلى عام 1953 رغم وروده كمادة في الدستور الأول للبنان عام 1926 (المادة 87). ورغم أهمية دوره كقضاء مالي تنحصر مهمته في التعليق على القرارات التي تصدر في القضايا التي تخص الشأن العام أو التذرع بنقص موارده للتوقف عن إنجاز قطوع الحساب منذ عام 1994. فما هو ديوان المحاسبة؟ وما هي وظيفته ؟
يعد ديوان المحاسبة هيئة مرتبطة بوزارة المالية، يتألف من قضاة ومراقبين ولديه نيابة عامة، ويلحق به موظفون إداريون. مهمته السهر على إدارة الأموال العمومية عبر مراقبة استعمالها والفصل بصحة حساباتها وقانونية المعاملات ومعاقبة المسؤولين عن مخالفة القانون والأنظمة المتعلقة به، تقييم أداء الجهات الخاضعة لرقابتها...
يخضع لمراقبة الديوان كلّ من الإدارات العامة للدولة، اتحاد البلديات والبلديات، والمؤسسات العامة التابعة للدولة والبلديات ما لم تستثن بنص خاص. المؤسسات والجمعيات وسائر الأشخاص المعنويين... الشركات التي تساهم في رأسمالها بنسبة لا تقل عن 50 % الدولة أو اتحاد البلديات أو بلدية أو مؤسسة عامة أو أشخاص معنويون خاضعون لهذه الرقابة...
تشريعياً، سجلت محاولات عدة من أجل إدخال إصلاحات على تنظيم هذا الديوان تمثلت بالمرسوم الرقم 9458 تاريخ 12/4/2012. وقد أنجزت لجنة الإدارة والعدل دراسة مشروع بتاريخ 9/5/2016، ليُحال إلى لجنة المال والموازنة النيابية ولا زال عالقاً حتى الآن.
وبصدد دراسة اقتراحات قانون يخص القضاءين العدلي والإداري، تم إضافة اقتراح قانون بشأن القضاء المالي (ديوان المحاسبة. بني الاقتراح على أسباب عدة، تصنف ضمن ست فئات أساسية هي الآتية:
1- ضرورة مواءمة تنظيم القضاء المالي مع معايير استقلالية القضاء، وذلك بتحصين استقلالية الأجهزة العليا للرقابة لتضطلع بمهماتها بصورة موضوعية. وفك الارتباط برئاسة مجلس الوزراء إدارياً ومالياً، إذ إن ارتباطه برئيس مجلس الوزراء يؤثر معنوياً في عمل الديوان وقضاته وموظفيه، كما أن الموازنة المخصصة بالديوان تدرج في أحد بنود الموازنة المخصصة برئاسة مجلس الوزراء... وفك الارتباط يتم عبر تمكين الديوان من وضع مشروع موازنته ومناقشتها، ونقل صلاحية تحديد عدد القضاة المنوي تعيينهم من رئاسة الوزراء إلى القضاء المالي... إضافة إلى الاستقلالية الوظيفية للقضاء المالي، وتقليص مجالات التدخل في اختصاص هذا القضاء، واستبعاد إمكانية تجاوز قرارات ديوان المحاسبة بقرار من الحكومة، تكوين مجلس قضاء مستقل وفقاً للمعايير الدولية لاستقلال القضاء، منحه صلاحيات واضحة تشمل تنظيم الشؤون المالية والإدارية والوظيفية، إشراك أشخاص غير قضاة في المسائل غير المتصلة بالمسارات المهنية للقضاة، وغيرها...
2- ضرورة مواءمة تنظيم القضاء المالي مع معايير المحاكمة العادلة منها ضمان الحق في المثول أمام القاضي الطبيعي، ضمان حيادية القاضي، مبدأ الوجاهية، وتحديد مهل المحاكمة لضمان إنجازها ضمن أمد معقول... ومبدأ العلانية وتعليل الأحكام بصورة كافية.
3- مبادئ دولية بشأن أجهزة الرقابة ومنها ضمان الوصول غير المقيد إلى المعلومات، إيجاد آليات متابعة فعالة لتوصيات القضاء المالي، إنشاء لجنة دائمة لإعداد تقرير سنوي وللبرمجة...
4- ضمان الموارد البشرية عبر العمل على معالجة الشغور المزمن.
5- توضيح أدوار المراقبين ومدققي الحسابات عبر إنشاء مصلحة مدققي الحسابات.
6- إصلاحات أخرى متفرقة ومنها إعادة النظر في الأسباب التبريرية للمخالفات، كذلك إعادة النظر في العقوبات ضماناً لمبدأ التناسب بين خطورة المخالفة والغرامة المحكوم بها ومراجعة مرور الزمن على ملاحقة الموظفين بعد مرور خمس سنوات على تاريخ ارتكاب المخالفة إن كانت ظاهرة أو تاريخ اكتشافها إذا كان خفية...
على أمل النظر والبت بهذا الاقتراح، يبقى القضاء اللبناني بحاجة ماسة إلى إعادة النظر بالكثير من التشريعات، وإعادة تنظيم وهيكلة القضاء العدلي والإداري والمالي، وذلك عبر البدء بخطوة الألف ميل نحو إرساء دولة القانون والحفاظ على الحقوق..
أماني المقهور