نشيّع جسداً ونستبقي رمزاً

السبت 22 شباط , 2025 08:35 توقيت بيروت لـبـــــــنـان

الثبات ـ لبنان 

غداً سنشيّع السيد،
سنلقي عليه السلام الأخير،
سنحمله فوق أكفّنا وأكتافنا ورؤوسنا في الموكب الحزين.

تفيض قلوبنا وجعاً وعيوننا دمعاً وترتجّ أرواحنا بارتجافة المريد في جنازة الولي.
غداً سيُثوى كل هذا العنفوان في ثرى لبنان، في الأرض التي أحبها، نبت منها وإليها يعود مستشهداً دفاعاً عن استقلالها وسيادتها وكرامتها لتبقى محرّرة خالصة لشعبها.
طهر الثرى وطهر الجثمان يمتزجان، والأرض التي كانت مربضه ستكون غداً مرقده، ومن مرقده سيشعّ النور.

غداً نشيّع السيد في مشهد الختام الذي يؤكد غياب الرجل وهو نفسه مشهد الافتتاح الذي يؤكد حضور الرمز.
في لحظه الهول التي استشهد فيها ارتقى السيد من مكانة القائد إلى مقام الرمز، ومقام الرمز هو المقام العلي.

في حياته واستشهاده استحقّ السيد عن جدارة أن ترفعه الأمة مكاناً علياً. فالأمم لا تخطئ في اصطفاء رموزها، ومن أقدر أو أجدر بمقام الرمز من القاده الشهداء؟
لا يضاهي عمق حزننا إلا تسامي اعتزازنا بشهدائنا - رموزنا. ومن أحق أن يرفع رأسه فخراً واعتزازاً أكثر من الأمة العربية التي أنجبت من صلبها قادة عظاماً شهداء رموزاً للإنسانية والتضحية والتحرر الوطني بمكانة وقيمة سادتنا وقادتنا حسن نصرالله وهاشم صفي الدين ويحيى السنوار وإسماعيل هنية ومحمد الضيف في طليعة الآلاف من الشهداء، إنهم مناط فخرنا وعنوان كرامتنا وبرهان جدارتنا، وهم أقمار ليلنا وشموس نهارنا وحُداة ركبنا المتواصل حتى النصر.

غداً نشيّع السيد جسداً ونستبقيه رمزاً. وكما دافع السيد عنا وحفظنا وهو القائد فعلينا أن ندافع عنه ونحفظه وهو الرمز، لأن الحرب على الرمز ستكون أشرس من الحرب على الرجل.
ذلك أن السيد رمز، وككل الرموز الصادقة التي ترفعها الشعوب مقاماً علياً. هو تكثيف لهوية الأمة وعنوان لشخصيتها وسماتها، واختصار لأمانيها ومقاصدها، وتعبير عن قيمها الأخلاقية الأرقى والأنبل والأجمل، ونداء للأمة بأن تواصل السعي لاسترداد حقوقها وردع أعدائها، ونور يضيء الوجدان ويثبت اليقين ويستنهض الهمم ويشحذ العزم، ويحفظ الأمل ويبدّد ظلام اليأس. وهو سلاح ماض بيد الأمة لتواصل المقاومة حتى اكتمال النصر.

والرمز سلاح ماض في يد الأمة، وإذ يكثر المتداعون إلى نزع سلاح المقاومة فإن القيمة العظيمة للرمز أنه سلاح يستحيل نزعه مهما حاول الأعداء.
ولكل هذا سوف يتكالب عليه أعداء الأمة في حرب ضروس بلا هوادة هدفها تشويه الرمز ونزعه كسلاح من يد الشعب، وكلما التفّ المؤمنون بالرمز من حوله تكالب الأعداء عليه.

وما زال درس الزعيم الرمز جمال عبد الناصر مثلاً حاضراً، فالحرب عليه لم ينطفئ لها أوار حتى الآن طوال أكثر من نصف قرن على ارتقائه من مكانة القائد إلى مقام الرمز، ولم يزل أعداء الأمة يستهدفونه ويحاولون النيل منه، ولم يزل كارهوه يبثّون حقدهم عليه وما يرمز إليه من قيم التحرر والانعتاق من الهيمنة والعدل الاجتماعي والوحدة العربية والعزة والكرامة والسعي لاسترداد حقوق الأمة المهدورة وفي قلبها تحرير فلسطين.

كراهية الأعداء للرموز هي شهادة جدارتهم بمحبة شعبهم، صاغها الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي ببساطة وبلاغة:
«أعداؤه كرهوه وذي نعمة من كرهه أعداؤه صادق
في قلبه كان حاضن أمة ضمير وهمة ومبادئ

ساكنين في صوت عبد الناصر»... وفي صوت نصرالله.


ولأن السيد رمز للمقاومة بمعناها الصحيح الشامل المتكامل كنهج للتحرر والكرامة في أبعادها الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والحضارية، والآن وقد صمتت المدافع ولو إلى حين بالهدنة على جبهتي غزة والجنوب فسوف تستعر الحرب على باقي جبهات المقاومة الشاملة سياسياً وثقافياً وإعلامياً، وهنا علينا أن ننتبه أن استهداف الرمز لتشويهه هو معركة رئيسية في هذه المواجهة المستمرة بين الأمة وأعدائها، ليست حرباً على رجل بل على فكره يجسّدها الرمز، وليست حرباً لتصفية حسابات مع الماضي وإنما هي حرب لصياغة معالم المستقبل.

وكما انتصرت الأمة مع القائد وبه وانتصرت له،
ستنتصر مع الرمز وبه وستنتصر له.

سلام عليك أيها السيد قائداً ورمزاً،
سلام عليك أيها الصادق المؤتمن المحب المحبوب.
إلى اللقاء في رحاب الشهادة.
إلى اللقاء في انتصار الدم على السيف،
وانتصار الصدق على الزيف.

سلام عليك في لقاء الأحبة.

* الأمين العام للمؤتمر القومي العربي


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل