الثبات ـ لبنان
ينتظر بعض اللبنانيين التاسع من كانون الثاني بفارغ الصبر ظناً منهم أن يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية كفيل بحلّ كل المشكلات التي يعاني منها البلد. ويراهن البعض على انتصار فريق سياسي على فريق سياسي آخر عبر وصول مرشح مقرّب من سفارة أجنبية على مرشّح آخر مقرّب من سفارة أجنبية أخرى. ويعوّل معظم أصحاب الرأي على توافق لجنة دولية خماسية بشأن «رمز وحدة الوطن» الذي يفترض أن «یسهر على المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه».
لا شك في أن إصلاح مؤسسات الدولة يستدعي انتخاب رئيس للجمهورية ليتم بعد ذلك اختيار رئيس للحكومة وتشكيل مجلس الوزراء ووضع بيان وزاري يفترض أن يكون خطة للخروج من الأزمات التي تعصف بالبلاد والعباد. صحيح أن رئيس الجمهورية یرأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكن النص الدستوري يضيف أن القوات المسلّحة تخضع لسلطة مجلس الوزراء (المادة 49). وصحيح أن لرئيس الجمهورية صلاحية إصدار القوانین لكن الدستور يشير إلى أن هذه الصلاحية تأتي بعد أن یكون قد وافق عليها مجلس النواب (المادة 51). وصحيح أن رئیس الجمهوریة يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، لكن الدستور يذكر أن ذلك لا بد أن يتم بالاتفاق مع رئیس الحكومة، ولا تصبح المعاهدة مبرمةً إلا بعد موافقة مجلس الوزراء عليها (المادة 52). أما مقررات رئيس الجمهورية، فيجب أن يشترك رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصون معه في التوقيع عليها (المادة 54).
يعني ذلك أن الدستور اللبناني لا يتيح لرئيس جمهورية لا يحظى بالحد الأدنى من التوافق بين القوى السياسية اللبنانية القيام بالإصلاحات الضرورية والطارئة المطلوبة في الدولة اللبنانية التي تعاني مؤسساتها حالياً من شبه انهيار.
وبالتالي ما قد يحصل يوم الخميس المقبل لا يخرج «زير» الجمهورية من «بير» الأوهام، لأن القوى السياسية لم تناقش أصلاً فرص وصول المرشحين على أساس توجههم الإصلاحي وطموحاتهم في إعادة بناء المؤسسات، بل حددتهم بحسب انحيازهم السياسي أو علاقاتهم الدولية والإقليمية وقدرتهم على إعادة لبنان إلى حضن دول أخرى.
لم يقدم أي من الأشخاص الذين طُرحت أسماؤهم لتولي الرئاسة رؤية عن لبنان 2025 وعن أولويات الإصلاح والخطوات التي ينتظرها الناس لتحسين أوضاعهم المعيشية والصحية والاقتصادية والأمنية بعد سنوات من الأزمات المدمّرة. ولا يوحي أي اسم من أسماء المرشحين بما يمكن أن يعطي أملاً في مستقبل يطمح إليه الشباب والشابات الذين يحلمون بالهجرة إلى الخليج، أو إلى أوروبا وأميركا، بحثاً عن حياة أفضل. بل عرفنا عن «فلان» أنه مقرّب من الأميركيين وقام بأكثر من زيارة إلى واشنطن لكن انتخابه يستدعي تعديلاً للدستور، أما «عليتان»، فهو رجل أعمال طرحت باريس اسمه لتولي ما يشبه الانتداب المتجدّد، والثالث رشّحته قوى 14 آذار ونال أكبر عدد من الأصوات في الدورة الأولى، والرابع موعود من قوى 8 آذار بعد تأجيل الوعد و«عالوعد يا كمّون»، والخامس نظيف ووسطي ولكنه متردد، والسادس من أمراء الحرب ومجرم معفى عنه... إلى آخره.
وكأن رؤية الرئيس آخر هم الناس ويكفي تصنيفه السياسي العام وتحديد ارتباطاته الخارجية. وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، قد يكون للشنط السوداء في ساحة النجمة دور حاسم في انتخاب الرئيس في ربع الساعة الأخير.