العدو يدمّر القدرات السورية الاستراتيجية: الأولوية قطع إمدادات «حزب الله»

الثلاثاء 10 كانون الأول , 2024 09:38 توقيت بيروت عــربـي

الثبات ـ عربي

لم يتأخّر العدو في استغلال الحدث السوري، فبادر إلى احتلال المنطقة العازلة في الجولان، ومواقع السيطرة السورية فيه. وشنّ حرباً أحادية الاتجاه (كونها لا تواجَه بردّ حتى الآن) ضد القدرات العسكرية والاستراتيجية للدولة السورية، نفّذ خلالها مئات الغارات التي توزّعت على مختلف المناطق السورية. وتشكل هذه الخطوات ترجمة لاستراتيجية العدو في استغلال الفرص الكامنة في المتغيّرات، بما يحقّق أطماعه ويُعزّز مكانته الإقليمية.
إلا أن المؤشر الأهم يكمن في ما أدلى به رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي وصف سقوط بشار الأسد، بـ «اليوم التاريخي في الشرق الأوسط»، في إشارة إلى الرهانات الإسرائيلية على تغيير المعادلات الإقليمية وإعادة إنتاج بيئة استراتيجية تُعزز الأمن القومي الإسرائيلي. وجاء كلام نتنياهو في سياق سلسلة مواقف وتقديرات إسرائيلية تمحورت حول التداعيات «الإيجابية» لسقوط النظام السوري على المكانة الإقليمية لإسرائيل، كون ذلك النظام «حلقة مركزية في محور المقاومة»، وفق تعبيره. وأكّد الرؤية نفسها رئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، الذي أوضح أن «خروج إيران والمصالح الإيرانية (من سوريا) يشكّل ضرورة أولى من ناحيتنا».
ومع أن دور سوريا تعاظم منذ اتفاقية «كامب ديفيد» مع مصر عام 1978، حيث وقف نظامها إلى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين، وأمدَّها بالقدرات والإمكانات التي سمحت لها بمواجهة الحروب الإسرائيلية وإنتاج توازنات إقليمية في مواجهة التفوّق الإسرائيلي، إلا أن إسقاط النظام السوري في هذه المرحلة، من منظور إسرائيلي، أصبح أكثر إلحاحاً، لأن تغيير البيئة الإقليمية لا يتحقّق من دون شطب دمشق من المعادلة، لاعتبارات متعدّدة، من ضمنها أن سوريا هي الممر الحصري لإعادة بناء وتطوير قدرات «حزب الله» بعد الحرب التي فشلت إسرائيل خلالها «في القضاء عليه أو هزيمته»، وفق ما اعترف به المبعوث الأميركي الخاص، عاموس هوكشتين. وعلى هذه الخلفية، كان التهديد الذي وجّهه نتنياهو إلى الأسد، محذّراً إياه مما سمّاه «اللعب بالنار».
وبمعزل عن تأكيد نتنياهو وخبراء إسرائيليين أن إسرائيل شريك أساسي في عملية إسقاط النظام السوري، فإن هناك نوعاً من الإجماع في تل أبيب حول تقدير استراتيجي يتعلّق بمستقبل التطورات في سوريا، عبَّر عنه نتنياهو بالقول إن هذا المسار أدى إلى «فرص جديدة لدولة إسرائيل، طبعاً. لكن هذا لا يخلو من المخاطر أيضاً». وبلحاظ الأولويات الإسرائيلية في هذه المرحلة، تعتبر تل أبيب أن إسقاط الأسد فتح الباب أمام مروحة من الفرص تتمثّل في تفكيك ترابط محور المقاومة، وأنتج فرصة كانت تطمح إليها منذ عقود وأصبحت أكثر إلحاحاً بعد الحرب الأخيرة على لبنان، وهي قطع طرق إمداد «حزب الله» بالأسلحة من سوريا وعبرها انطلاقاً من الجمهورية الإسلامية. وتراهن إسرائيل على أن يؤدي ذلك إلى تبديد الكابوس الذي كان يهيمن على القيادتين السياسية والأمنية خلال الحرب، وهو فرض ترتيبات تحول دون إعادة «حزب الله» تطوير قدراته العسكرية والصاروخية، وهو أمر يمكن أن يتحقّق إما من خلال إنتاج سلطة سياسية في لبنان معادية للمقاومة تقوم بهذه المهمة، أو نشر قوات دولية على الحدود الشمالية والشرقية، الأمر الذي لم يحدث، ليبقى الاحتمال الأخير، وهو أن يتم المنع من داخل سوريا.
على أي حال، أطلق إسقاط النظام السوري ديناميات داخلية في سوريا، مفتوحة على احتمالات متعدّدة، من ضمنها إنتاج سلطة سياسية غير معادية لإسرائيل في الحد الأدنى. وهو أمر سوف يتضح عبر تحديد النظام الجديد أولوياته ومواقفه إزاء الخطر الصهيوني، ومن القضية الفلسطينية، ومن دعم قوى المقاومة في فلسطين ولبنان. ومع ذلك، تسود المشهد السوري، من منظور إسرائيلي أيضاً، حالة من اللايقين لا تزال هي الغالبة. ولذا، عمد العدو إلى تدمير ممنهج للقدرات الاستراتيجية لسوريا بهدف سلب أي نظام بديل هذه القدرات، أو تعطيلها في حال حصول فوضى، ما يجعل سوريا، دولة وشعباً، في موقع أضعف إزاء إسرائيل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل