الثبات ـ دولي
ذكرت مجلّة "فورين أفيرز" الأميركية، أنّه توسيع الولايات المتحدة وجودها العسكري في الشرق الأوسط، قد يتسبب بتفاقم التوترات الإقليمية ويزيد من مخاطر وتكاليف سوء التقدير ، وبالتالي تثير عن غير قصد الصراع ذاته الذي تسعى بشدة إلى تجنبه.
وأوردت المجلة أنّ الطريقة التي سيدير بها الرئيس جو بايدن وإدارته تصرفات "إسرائيل"، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، فضلاً عن التداعيات الجيوسياسية الأوسع للحرب، سيكون لها عواقب بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي فضلاً عن قدرة واشنطن على مواجهة وردع الخصوم.
وأضافت أنّ "ضخ واشنطن للمعدات العسكرية والأفراد في الشرق الأوسط يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى توريط الولايات المتحدة في التزامات أمنية مفتوحة تجاه منطقة كانت تحاول، حتى وقت قريب، تحرير نفسها منها".
وأشارت المجلة إلى أنّ نهج الولايات المتحدة المعتاد، المتمثل في "الأمن أولاً"، أثبت في الشرق الأوسط أنه مكلف، من حيث الدولارات والأرواح المفقودة، "وكان مدمراً للمنطقة، إذ ساهم في سنوات من الحرب والتمرد والخراب الاقتصادي".
ومع تزايد وجود الولايات المتحدة مرةً أخرى، فإنّ مشاركتها العسكرية العميقة في الشرق الأوسط يمكن أن تستمر إلى ما بعد نهاية الأزمة الحالية، وتساهم في التوسع المفرط الذي من شأنه أن "يخلق فجوات خطيرة في أماكن أخرى على المدى الطويل، وخاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، وفق "فورين أفيرز".
وفي هذا السيناريو، سيتم التراجع عن الكثير من عمل إدارة بايدن للتحول نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين، وستُترك الساحات الاستراتيجية الرئيسية مثل تايوان "أكثر عرضة للعدوان الصيني". ونظراً لهذه المخاطر، فإنّ سياسة واشنطن في الشرق الأوسط في حاجة ماسة إلى تصحيح المسار.
وبحسب ما تابعت المجلة، فعلى الرغم من أنّ العواقب المترتبة على الحرب التي تشنّها "إسرائيل" على غزة، "تظل غير مؤكدة"، فإنه ليس من السابق لأوانه رسم الخطوط العريضة لسياسة أميركية أكثر استدامة في الشرق الأوسط.
وأكدت أنّ "الأهم من ذلك، هو أنه بمجرد أن تبدأ الأزمة الحالية في الاستقرار، يجب على واشنطن أن تعمل على سحب القوات التي أعادتها بسرعة إلى الشرق الأوسط، وأن تذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال تقليص حجم الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وإعادة تنظيمه بشكل كبير".
وأضافت المجلة أنه في الوقت نفسه، يجب على واشنطن الاستثمار في بناء قدرات ومرونة شركائها الإقليميين، "حتى يتمكنوا من العمل معاً بشكلٍ أكثر فعالية للحفاظ على الاستقرار وإدارة التحديات الأمنية بدعم أقل من الولايات المتحدة".
ورأت "فورين أفيرز" أنّ "هذا النهج ذو الشقين فقد، يمكنه دفع الولايات المتحدة "نحو سياسة متوازنة في الشرق الأوسط، تتجنب الإفراط في التوسع، ولكن لا يزال بإمكانها طمأنة الشركاء وتجنب الكوارث المستقبلية".
كذلك، أشارت إلى أنه مع مضاعفة إدارة بايدن جهودها لزيادة الأسلحة والقوات الأميركية الإضافية إلى الشرق الأوسط، ليس من الواضح ما إذا كان صُنّاع السياسة في الولايات المتحدة، قد فكروا في التأثيرات من الدرجة الثانية والثالثة المترتبة على تضخيم الدور الأمني للولايات المتحدة في المنطقة، وكيف سينظر إليه الخصوم والحلفاء.
الاعتراف بالمخاطر ومعالجتها
ووفق المجلة، هناك 3 مخاطر على وجه التحديد، يجب على واشنطن الاعتراف بها ومعالجتها، هي: التصعيد، ورد الفعل العنيف، والإرهاق.
وذكرت أنه "على الرغم من أنّ البنتاغون زعم أنّ عمليات نشر القوات الأميركية تهدف إلى منع نشوب حرب أوسع نطاقاً، إلا أنه يبدو من المرجح بنفس القدر، أن تؤدي الزيادة في عدد القوات في نهاية المطاف إلى إثارة دوامة تصعيدية بدلاً من منعها".
وأوضحت أنه "لا يبدو أنّ هذه القوات الإضافية ولا الجولات المتعددة من الغارات الجوية، بما في ذلك بعض الغارات التي قيل إنها قتلت أفراداً من المنظّمات، فعلت الكثير لردع خصوم الولايات المتحدة، بل إن مثل هذه الهجمات أصبحت أكثر جرأة".
كذلك، اعتبرت المجلة أنّ هذا التدفق العسكري الأميركي الجديد، قد يؤدي إلى تحديات غير متوقعة، ليس فقط بين الخصوم، ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى تقويض العلاقات مع الحلفاء والشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة، مثل مصر والأردن والإمارات وغيرها.
على أقل تقدير، سوف ترغب الدول العربية في تنفيذ أي تعاون أمني مستقبلي بشكل أكثر تكتماً، وقد تجد واشنطن حريتها في العمل مقيدة بشكلٍ متزايد بسبب الحاجة إلى حماية القوات الأميركية العاملة في البلدان الشريكة، وفق ما "فورين أفيرز".
وأشارت إلى أنه "في الحالات الأكثر تطرفاً، قد تقوم الأنظمة الشريكة بتعليق بعض الأنشطة، مثل التدريبات المشتركة، أو إيقاف بعض المشتريات الدفاعية".
ولفتت المجلة إلى أنّ عقوداً من التدخل العسكري الأميركي أدّت إلى تفاقم الخصومات الإقليمي، وإذكاء سباقات التسلح التي أدّت إلى تفاقم الصراعات المحلية.
تخفيض الوجود العسكري
كذلك، اعتبرت "فورين أفيرز" أنه يمكن للولايات المتحدة أن تخفض وجودها العسكري في الشرق الأوسط تدريجياً، من دون ترك الشركاء الإقليميين "في خوف من التخلي عنهم"، على الرغم من أنّ هذا التقليص قد يحتاج إلى الانتظار حتى تستقر الأعمال العدائية الحالية في المنطقة.
وأوضحت أنه كنقطة انطلاق سهلة، يجب أولاً إعادة انتشار القوات والمنصات الإضافية التي تم إرسالها إلى المنطقة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ثانياً، ينبغي سحب معظم أو كل القوات الأميركية الموجودة في العراق وسوريا، إذ يبدو أنّ عمليات الانتشار الأميركية في هذين الموقعين تعمل على تغذية التصعيد الإقليمي بدلاً من ردعه.
وأخيراً، يتعين على الولايات المتحدة أن تبدأ في تقليص وجودها في بقية المنطقة من خلال تعزيز قواتها في عدد أقل من المنشآت، بحسب "فويرن أفيرز".
وأوضحت المجلة أنه "من شأن هذا التخفيض أن يقلل أيضاً من خطر التمدد العسكري ويخلق مساحة لواشنطن لتطوير نهج اقتصادي وسياسي أكثر شمولية تجاه المنطقة".
وبحسب ما تابعت، فمع مشاركة عسكرية أميركية أقل، سيكون لدى الولايات المتحدة المزيد من الوقت والموارد لإعادة توجيه سياساتها في الشرق الأوسط نحو الدبلوماسية والمشاركة المجتمعية وفنّ الحكم الاقتصادي، وهي أدوات من شأنها أن تساعد في معالجة "التحديات الناشئة".
وأشارت المجلة إلى أنّ هذه التغييرات قد تكون بمثابة تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بعيداً عن النموذج الأمني الثقيل الذي تقوده واشنطن نحو نهج أكثر توازناً يحمل مخاطر أقل للتصعيد أو التمدد ويسمح للقوى الإقليمية بأخذ زمام المبادرة.
ورأت أنّ هذا النهج الجديد لن يكون ضماناً ضد الأزمات الأمنية الإقليمية المستقبلية، لكنه سيحمي مرونة واشنطن العسكرية والدبلوماسية، ويقلل من احتمالات تورط واشنطن في حربٍ أخرى في الشرق الأوسط، ويحافظ على قدرة عسكرية أكبر لأولويات الأمن القومي الأخرى. ومع ذلك، إذا فشلت واشنطن في تغيير مسارها، فقد ينتهي بها الأمر إلى السير في طريقٍ مألوف للغاية.