أوروبا متواطئة مع الأبارتهايد الإسرائيلي

السبت 30 أيلول , 2023 12:36 توقيت بيروت دولــي

الثبات ـ دولي

ثمة سببٌ جوهريٌّ وراء العنف الذي يُمارس ضد الشعب الفلسطيني هو: معرفة القادة الإسرائيليين أن كل شيء مسموح لهم، فهم يعرفون أنهم لن يُعاقَبوا أو يُحاسبوا أيّاً كانت الجرائم التي يقترفونها. لِمَ هذا الإفلات من العقاب؟

ليس شعوراً بالذنب غالباً ما يُقال إنّ أوروبا شعرت بالذنب بعد الإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون، وإن ذلك هو سبب دعمها لإسرائيل. تلك فكرة خطأ.

لا شك في أن أوروبا مذنبة، وأن أوروبا شهدت نشأة موقفٍ مسيحيٍّ معادٍ لليهود، وأن اليهود في أوروبا حُصِروا في أحياء خاصة وفي غيتوهات، وأن اليهود تعرضوا في أوروبا لعقوبات محاكم التفتيش وللمذابح والطرد والاتّهام بأنهم الشعب الذي قتل الإله. كما أن العنصرية المعروفة بمعاداة السامية التي مارسها النازيون نشأت أيضاً في أوروبا.

لو أنّ أوروبا شعرت بالذنب بعد إبادة أكثر من نصف اليهود الأوروبيين، لناضلت ضدّ من تسبّب في تلك الفعلة الشنيعة، ولقالت لليهود «لقد اضطهدناكم لأننا عددناكم جسماً غريباً عن أوروبا، أمّا الآن، فنعيش معاً على قدم المساواة وبنفس الحقوق».

لكن الرسالة جاءت معاكسة، فعندما طلب الناجون - من المناطق الناطقة باللغة اليدشية Yiddishland ومن معسكرات الإبادة - تأشيرات دخول إلى أميركا الشمالية وبريطانيا وفرنسا قوبلت طلباتهم بالرفض، وقيل لهم: «أصبح لديكم بلدٌ الآن، ارحلوا عندما تريدون».

هكذا تنصّلت أوروبا من مسؤوليتها على حساب الشعب الفلسطيني الذي لا ذنب له البتة في ما شهدته أوروبا. لقد كان قدوم الناجين إلى فلسطين بعد عام 1945 عنصراً حاسم التأثير في موازين القوى، ما أدّى إلى النكبة عام 1948 والتطهير العرقي الذي خُطط له مسبقاً.

إسرائيل: الدويلة التي حلم بها الغرب

أضحت "إسرائيل" نموذجاً لـ«الاسترجاع الاستعماري الناجح»، ومختبراً لمراقبة العموم، ولقمع السكان الذين ذاع صيت «خطرهم». إنّ ما أُنزِل بغزة، من إغلاقٍ على أكثر من مليونَي شخص برّاً وبحراً وجوّاً وإجبارهم على استهلاك منتجات المحتل وقصفهم بشكل دوريّ، أمرٌ يفتح شهية كثيرٍ من القادة.

يبيّن فيلم «المختبر» - الذي أخرجه عام 2013 يوتَم فيلدمَن، وهو شخصٌ مناهضٌ للاستعمار تسلّل إلى المجمع الصناعيّ العسكري الإسرائيلي - وفوداً تأتي من أجهزة الشرطة والجيوش في العالم لتتعلم من إسرائيل كيف تقمع المظاهرات وتهاجم الأحياء العشوائية وتُحكم الإغلاق على الناس وتستخدم أعقد الأسلحة وأحدثها.

وبُعيد الهجوم الإسرائيلي على جنين في تموز/يوليو 2023، كتب وزير الداخلية الفرنسي، جيرال دارمانان، إلى نظيره الإسرائيلي طالباً منه «مشاركة التجربة». ومن جانب آخر، يريد الغرب وأوروبا السيطرة على الشرق الأوسط، لذلك ثمّة حاجةٌ إلى إسرائيل وحلفائها الجدد: دول الخليج الإقطاعية.

إن الغاز الذي يُطلَق على الغزّيين - الذين يتظاهرون على السياج الفاصل ويتعرضون لخطر الموت - يُستخدَم الآن ضد المتظاهرين الفرنسيين، كما إن المُسيَّرات الإسرائيلية التي تراقب الفلسطينيين المحاصرين، أصبحت تُستخدم في أوروبا، وكذلك الأمر مع الأساليب الإسرائيلية في الإغلاق على الفلسطينيين، فهي مصدرٌ للأفكار التي تطبّقها أوروبا في تعاملها المشين مع المهاجرين. باختصار: يدعم قادة أوروبا إسرائيل لأنها دولتهم.

الحالة الألمانية
في هذا البلد، كلُّ نقدٍ لإسرائيل ممنوع. كما أن القادة السياسيين ووسائل الإعلام يخلطون عمداً بين «اليهودي» و«الإسرائيلي»، متجاهلين أن الأيديولوجيا التي يحملها القادة الإسرائيليون أكثر قرباً إلى أيديولوجية من ارتكبوا الإبادة الجماعية مما هو حالها مع أيديولوجية من ارتُكِبَت في حقهم تلك الإبادة، كما أنهم يضعون حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات ومعاقبة إسرائيل «BDS» في الخانة نفسها مع حملة مقاطعة محلات اليهود التي أطلقها النازيون عام 1933، أما الجمعية اليهودية المناهضة للصهيونية «Die Judische Stimme für Gerechten Frieden in Nahost»، فتتعرض للقمع في ألمانيا، رغم أنّ غالبية أعضائها من اليهود حملة الجنسية الإسرائيلية الذين تركوا إسرائيل، وقد أُغلِق حساب الجمعية المصرفي لأنها تدعم حركة المقاطعة «BDS».

ويعيش في برلين قرابة 50 ألف فلسطينيّ، ولكن لم يُقرّ بحقهم في التظاهر في أيار/مايو 2023 في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة. وحتى اليسار الألماني يقمع النقد الموجه إلى إسرائيل، فحزب «Die Linke» يمنعه تماماً. ورغم أنها أقلية، إن جماعة «Antideutsche» اليسارية المتطرفة قد أعلنت قطيعتها مع مفاهيم معاداة الصهيونية ومعاداة الإمبريالية.

قضية كوربِن
عام 2016، ترأس رؤوفين ريفلن، رئيس إسرائيل السابق، اجتماعاً يرمي إلى إيجاد السبل لإلحاق هزيمة سياسية بكافة القوى التي تناهض إسرائيل.

وعندما وصل جيريمي كوربِن إلى قيادة حزب العمال البريطانيّ، تسبّبت مواقفه «المعتدلة» بشأن إسرائيل في إثارة فكرة مفادها، أنه من الضروري منعه من الوصول إلى السلطة، ثم أخذت تغريدات معادية للسامية تظهر على حساب حزب العمال، فأُخذ كوربِن على حين غرّة، وكان دفاعه عن نفسه سيّئاً جداً.

بيَّن موقع «Electronic Intifada» الإلكترونيّ أنّ مصدر تلك التغريدات أشخاصٌ وهميون، وأن تغريدات من ذات النوع نُشرت على حساب الحزب المحافظ. بعد ذلك بمدّة طويلة وعشية الانتخابات، دعى حاخام بريطانيا الأكبر إلى التصويت ضد كوربِن الذي هُزم في تلك الانتخابات. ولإكمال المهمة، استند الصهاينة إلى الجناح اليميني في حزب العمال، وتوصلوا إلى طرد كوربِن من الحزب.

فرنسا: من غي مولِّيه إلى إيمانويل ماكرون

الدعم الفرنسي لإسرائيل قديم العهد. ففي عام 1956، وضع رئيس مجلس الوزراء آنذاك، غي مولِّيه، فرنسا إلى جانب إسرائيل لتشارك في غزو مصر بُعيد تأميمها قناة السويس.

ومنذئذٍ ساهم نقل التقانة من فرنسا إلى إسرائيل في حصول هذه الأخيرة على القنبلة النووية، وإذا كان هذا التواطؤ قد توقف قليلاً في عهد شارل دو غول، فإنه تضاعف في الأعوام الأخيرة. ففي المجزرة المسماة «الرصاص المصبوب» 2008-2009، أعلن الرئيس ساركوزي أنه سيرسل غواصةً نحو غزة «لمنع حماس من إعادة حفر الأنفاق»، أما وزيرته آليو ماري، فحرّرت مذكرة تطلب فيها من القضاء ملاحقة من يدعو إلى مقاطعة إسرائيل.

وقد استغرق الأمر سنواتٍ كي يُبطَل تجريم المقاطعة بواسطة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وفي مجزرة 2014، نظّم الرئيس فرنسوا هولاند في السفارة الفرنسية في تل أبيب، فعالية لدعم الجيش الإسرائيلي.

أما إيمانويل ماكرون، فأمعن في الأمر، إذ صرّح أنّ معاداة الصهيونية ومعاداة السامية صنوان. أي بالنسبة إليه، الفلسطينيون معادون للسامية، وبالتالي حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني توجب التجريم.

أما وزيره دارمانان، فقد حاول بلا طائل حلّ لجنة التضامن «فلسطين ستنتصر». غير أنّ البرلمان الفرنسي اعتمد قرار «مايَّار» Maillard الذي يضع معاداة الصهيونية ومعاداة السامية في الخانة نفسها. وعشية التصويت كان النائب سيلفان مايَّار في «المجلس الإقليمي ليهودا والسامرة» يتلقّى التعليمات من المستوطنين.

الفاشيون ومعادو السامية يقفون مع إسرائيل

وصلت أحزاب اليمين المتطرف إلى السلطة أو اقتربت منها في كثير من البلدان الأوروبية، وكلها تدعم إسرائيل. وكالحزب الذي أسسه جان ماري لوبان، هي أحزاب معادية للسامية صراحةً، وهي اليوم أحزاب معادية للإسلام وداعمة لإسرائيل بحماسة.

في المجر وصل فيكتور أوربان، صديق بنيامين نتنياهو، إلى الحكم وهو الذي تفوّه مراراً وتكراراً بعبارات معادية للسامية ضد الملياردير جورج سوروس. وللتذكير، قام قادة اليمين المتطرف الأوروبي، دي فنتر من الإقليم الفلامندي البلجيكي، وبرينكمَن من ألمانيا، وفيلدرز من هولندا، بزيارة إسرائيل والمستوطنات ونصب ياد فاشيم التذكاري.

أوروبا تقف ضدّ رأيها العام
صوّت البرلمان الأوروبي على قرار يُطالب بوقف تمويل السلطة الفلسطينية إذا ما استمرّت المناهج الفلسطينية في «نشر رسالة الكراهية»، أي إذا ما استمرت في الحديث عن التطهير العرقي الذي حدث في 1948. أما المفوضية الأوروبية، فعبّرت عن استيائها من حديث «منظمة العفو الدولية» عن نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، ولا تزال أوروبا مستمرة في إعطاء إسرائيل مكانة تجارية تسمح في إعفاء البضائع الإسرائيلية من الضرائب، كما أنها ترفض وضع علامات مميزة لمنتجات المستوطنات.

رغم ذلك كله، تطوّر الرأي العام في أنحاء أوروبا تقريباً، فهو يعارض الاستيطان والعنف وسرقة الأراضي، وبقيَ أن تتمّ تعبئته كي يجبر القادة الأوروبيون على وقف ذلك التواطؤ.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل