قرار اعتماد الإنكليزية في التعليم الابتدائي يثير جدلا سياسياً وأيديولوجياً في الجزائر

الثلاثاء 09 آب , 2022 02:37 توقيت بيروت عــربـي

الثبات ـ عربي

عادت المسألة اللغوية في الجزائر لتثير الجدل السياسي والأيديولوجي في البلاد، عقب إعلان الرئيس عبد المجيد تبون اعتماد الإنكليزية في التعليم الابتدائي، بعد أن كانت الفرنسية اللغة الأجنبية الوحيدة التي تدرس في هذا المستوى. وبين متحمس للقرار ومشكك في خلفياته وإمكانية تطبيقه، تعددت الآراء السياسية والثقافية في النظر لهذه الإشكالية.

ما إن تلقت وزارة التربية الضوء الأخضر لاعتماد الإنكليزية في الابتدائي، حتى أطلقت حملة كبرى عبر مديرياتها بمختلف الولايات، تستهدف توظيف 25 ألف مدرس لغة إنكليزية من حملة شهادات الليسانس في هذه اللغة أو شهادات الترجمة. ونظرا للعدد الضخم من الأساتذة المطلوبين، ستكون صيغة التوظيف مقسمة عبر الوظائف الدائمة والتعاقد، حيث يمكن الاستعانة بمدرسين سابقين أو متقاعدين.

وحاليا، تعتبر العربية اللغة الحية الأولى في الجزائر، تليها الفرنسية، بموجب القانون التوجيهي الذي يحكم قطاع التعليم والذي وقّعه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة سنة 2008، في إطار الإصلاحات التي أمر بإجرائها في قطاع التعليم. لكن مع التوجه الجديد، تشير التوقعات إلى أن اعتماد الإنكليزية كلغة حية أولى لن يكون سوى مسألة الوقت، لأن الأمر يتطلب التحضير من أجل تكوين الأساتذة وإعداد البرامج. وبدأ التحول فعليا في خيارات المقبلين على الجامعة، فاللغة الإنكليزية أضحت الخيار الأول في المدارس العليا لتكوين المدرسين، وأصبحت معدلات الدخول إليها مرتفعة، في مقابل تراجع لافت لاختيار الفرنسية.

أطلقت وزارة التربية والتعليم في الجزائر حملة كبرى عبر مديرياتها بمختلف الولايات، تستهدف توظيف 25 ألف مدرس لغة إنكليزية

وإن كان الموضوع في جوانبه الإجرائية قد حُسم أو يكاد، فإن النقاش السياسي والأيديولوجي الذي يصاحبه لم يهدأ. وقال حزب العمال المحسوب على اليسار في بيان له، إنه يحذر من عواقب استبدال تعليم اللغة الفرنسية باللغة الإنكليزية  في الطور الابتدائي، معتبرا القرار عشوائيا. وأبرز الحزب أن قرارات شبيهة في السابق “ترتب عنها انعكاسات وخيمة بالنسبة لعدة أجيال، حيث زعزعت مساراتها التعليمية جرّاء فرض تغييرات ارتجالية تمليها اعتبارات إيديولوجية وبالتالي تفتقد للطابع العلمي”.

وأشار الحزب إلى أن إضافة مادة اللغة الإنكليزية كعنصر انفتاح على الكون لا يمكنه تبرير التخلي عن “غنيمة حرب” ولا زعزعة التلاميذ وبصفة عامة المنظومة التعليمية. وتعبير “غنيمة حرب” يُقصد به اللغة الفرنسية، وهو مصطلح كان قد استعمله الكاتب الجزائري “كاتب ياسين” للتأكيد على وجوب الاحتفاظ بالفرنسية باعتبارها مكسبا للجزائريين. وفي حواره الأخير مع التلفزيون العمومي، أعاد الرئيس تبون استعمال تعبير “غنيمة حرب”، كتأكيد منه أن إدراج الإنكليزية لا يعني التخلي عن الفرنسية، مثيرا بدوره نقاشا عند من يطالبون بدحرجة الفرنسية باعتبارها أداة هيمنة للمستعمر السابق على البلاد.

وفي سياق الجدل المتواصل، عادت زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، مرة أخرى قبل يومين للتحذير من قرار اعتماد الإنكليزية في الابتدائي دون أخذ الوقت الكافي، معتبرة أن الأطفال الجزائريين سيتعرضون لمغامرة لغوية عواقبها وخيمة، على حد وصفها. وقالت حنون إن موقفها ليس أيديولوجياً، ولكن إدراج هذه اللغة دون تحضير، غير مقبول في قطاع يعاني حسبها الفوضى والاكتظاظ والنقص في المدرسين في باقي المواد الأساسية.

وذهبت المتحدثة إلى حد تشبيه هذا القرار باعتماد اللغة العربية في السبعينات كلغة تدريس في المدارس، وقالت إن ذلك ترتب عنه نتائج كارثية على التعليم، لكن القرار كان متفهما في ذلك الوقت؛ لأن التدريس بالعربية كان من متطلبات الاستقلال الوطني، أما اليوم فلا يوجد أي استعجال لإدراج اللغة الإنكليزية بهذه السرعة، وفق قولها. واستغربت حنون كيف أن اللغة الأمازيغية التي هي لغة رسمية في الدستور يتم تهميشها، بينما توفر الإمكانيات للغات أخرى ليست رسمية.

وعكس هذه النظرة، قوبل قرار اعتماد الإنكليزية بحماس كبير من قبل الأحزاب الإسلامية خاصة حركة مجتمع السلم، التي دعا رئيسها عبد الرزاق مقري، مرارا للتمكين للإنكليزية بوصفها أداة انفتاح على العلوم والعالم، واصفا القرار الأخير بالرائع. وقال ناصر حمدادوش مسؤول الإعلام بالحزب، إن الفرنسية لا يمكنها أن تكون غنيمة حرب، فالأصل ألا ندرس أي لغة إلا بمقدار قيمتها العلمية والأكاديمية والعالمية، والفرنسية ليست كذلك، بحسب تعبيره.

يقول المدافعون عن بقاء الفرنسية، إن جزءا كبيرا من التاريخ الجزائري ووثائق الثورة التحريرية مكتوب بهذه اللغة

ومما يرفعه المدافعون عن بقاء الفرنسية أن جزءا كبيرا من التاريخ الجزائري ووثائق الثورة التحريرية مكتوب بهذه اللغة، مثل ما قاله الروائي الشهير ياسمينة خضرا مؤخرا في جولته بالجزائر، فضلا عن كونها عامل تواصل مهم في القارة الإفريقية التي تريد الجزائر دخول أسواقها بقوة في الفترة المقبلة.

ويرفض حمدادوش هذه المبررات بالقول: “لا يمكن أن تكون الفرنسية جزء من تاريخنا، وإنما هو تاريخ فرض علينا، ولا إشكال في الفرنسية كلغة مجردة دون حمولة أيديولوجية، والمشكلة ليست في اللغة في ذاتها، ولكن في توظيفها ضد هويتنا وخصوصيتنا، فهي ليست لغة للثراء المعرفي بل هي لغة تزاحم لغاتنا الوطنية وعلى حسابها”.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل