الثبات ـ لبنان
الخِطاب الذي ألقاه جوزيف عون في القمّة العربيّة يأخذُ لبنان في اتّجاه جديد في سياسته الخارجيّة. وتحدّث بثقة عن قضيّة فلسطين، مع أنّ إسهاماته في النضال الفلسطيني لا تزيد عن إسهامات عبدالله بن زايد الذي، مثل عون، تعِب من الصراع العربي-الإسرائيلي.
كان أفضل لرئيس الجمهوريّة أن يتواضع في هذا الخصوص، وأن يترك مسألة طَرْق النضال إلى من تحمَّل أعباء القضيّة وحملَ ندوباً في جسده منها. وعون يُعيدنا إلى مدرسة شارل حلو في قَوله: إنّ القوّة في قضيّة فلسطين هي قوّة المنطق والموقف والإقناع و«حشْد تأييد الرأي العام».
ليست هذه الأقوال بجديدة لأنّها لازمة في خطاب الذين عارضوا نهْج مقاومة إسرائيل وصدِّها عسكريّاً. هنا عون يتخطّى الخطاب الرسمي منذ الطائف عن صراعنا مع إسرائيل.
لا يريد للقضيّة أن تلتصق بمحوَر، لكن: ماذا نفعل إذا كان هناك محوَران في العالم العربي؟ محوَر مُتحالفٌ مع إسرائيل وينسّق معها عسكريّاً وسياسيّاً (ولبنان ليس في هذا المحوَر بعد) ومحوَر مضادٌّ يدعم النضال الفلسطيني.
والدول التي تخضع قطعة من أرضها - كبيرة أم صغيرة - للاحتلال الإسرائيلي لا تستطيع أن تُخرِج المحتلّ (الإسرائيلي بالذات الذي لا يفهم غيرَ لغة القوّة) بقوّة المنطق وقوّة الحشد.
وحتى لا يُساء فهْم كلامه بالنسبة إلى فلسطين، يُسارع عون إلى لصْق الموقف اللّبناني بموقف محمود عبّاس (يسمّيه «الممثّلين الشرعيّين»، لأنّ محمود عبّاس خاض غِمار انتخابات قبل ٢٥ سنة بالتمام والكمال).
أمّا كلامه على العواصم العربيّة المُمانعة فكلّه تَرداد لكلام نقرأه يوميّاً في صفحات الجيش الالكتروني السعودي. قد يكون كلامه من الثمار الوحيدة لزيارته إلى السعوديّة. ثم: أَلَم يتّفق هو ورئيس الحكومة أنّه لا يجوز تحويل لبنان إلى منصّة تهجُّم ضدّ الدول العربيّة؟
ولماذا اختار فقط العواصم المتصارعة مع النظام السعودي؟ أم أنّ حماية الأنظمة العربيّة من النقْد لا تسري إلّا على الأنظمة الخليجيّة الثريّة؟ أم أنّ الإشارة إلى صنعاء-التي فعلت في سنة من أجل فلسطين أكثر ممّا فعلَته جيوش الأنظمة-هي لمَحْو كلام جورج قرداحي؟