أقلام الثبات
" فوضى وبعدها انقلاب".. بهذه الكلمات علّق دبلوماسي غربي في برلين، على مآل المشهد السوري على وقع المجازر المهولة التي ارتُكبت ولا زالت، بحقّ اهالي الساحل السوري من الطائفة العلويّة، موضحا انّ هذه الجرائم وضعت احمد الشرع امام امتحان كبير داخليا وخارجيا، وكاشفا عن تواصل "جهات عربية" مع الضابط المنشقّ فراس طلاس، وتجهيزه لتسلُّم السلطة في سورية بعد إنهاء مهمّة الشّرع.. سورية الجديدة التي باتت ساحة صراع دول اقليمية كل منها تهدف لقضم حصّتها من "الكعكة السوريّة"، وسط تنامي دور اجهزة استخبارات عربية في مسعى لمواجهة النّفوذ التركي، اصبحت "اسرائيل" فيها من اكبر المستفيدين من حكم الشّرع، في وقت اجمعت تقارير عبرية – بعد قرار حكومة نتنياهو تمديد سريان "الأمر 8 " واعلان انّ عام 2025 الحالي، هو عام حرب على غرار سابقه، على تصعيد عسكري "اسرائيلي" في الاسابيع او الشهور القادمة، سيطال العراق واليمن.
"اسرائيل" التي بادرت سريعا الى دفع قواتها للتوغّل داخل الاراضي السورية" توازيا مع وصول مسلّحي هيئة تحرير الشام وقائدها الى دمشق، والبدء بتدمير كلّ مقدرات الجيش السوري، "لا تهدف الى الإطباق على دمشق حصرا، بل الإنطلاق منها لاحقا الى العراق وكردستان" – وفق إقرار رئيس لجنة الامن القومي في الكنيست "الإسرائيلي" بوعاز بيسمون.
بيسمون الذي كان اعلن في جلسة إقرار الموازنة، عن بناء "رأس جسر" يبدأ من سورية ويتفرّع الى العراق وكردستان في المستقبل، قال" يجب ان تكون دمشق تحت السيطرة "الاسرائيلية" الكاملة، سورية هي جسرنا للوصول الى الفرات".
لكنّ المشروع "الإسرائيلي" لن يقف عند تلك الحدود، فالأردن لن يكون بعيدا عن خطورة هذا المشروع. وسبق ان حذّر الامين العام لحزب الله السيّد الشهيد حسن نصرالله في احدى خطاباته، من الخطر الإسرائيلي" الذي يُحدق بالاردن، في وقت تُجمع تقارير اميركية على "العَين الإسرائيلية على الاردن للمرحلة اللاحقة لورانس ويلكرسون-وهو عقيد اميركي متقاعد، يقول "إنه الاردن الذي يطمح به نتنياهو وليس طهران"، ويضيف" لكني متيقّن انّ اسرائيل لن تكون موجودة قريبا"، فيما صرّح ايال زيسر-وهو باحث "اسرائيلي":" انّ طموح اسرائيل سيعبر الى الاردن"، قبل ان يدلو رجل الاعمال "الاسرائيلي" روني مزراحي- المقرّب من بنيامين نتنياهو بدلوه ويؤكد المؤكد: " الاردن وُجهتنا اللاحقة".
لا يمكن انكار انّ سقوط النظام في سورية تسبّب بزلزال في المنطقة، لكنّ طريق الحكم الجديد ليست ورديّة اطلاقا كما يظنّ البعض، ولا يمكن إغفال توجّس دول عربية وخليجية من الحكم الجديد في سورية وراعيه التركي. خصوصا من الجماعات الجهاديّة من الشيشان والاوزبك والايغور وغيرها وخطرها اللاحق على هذه الدول..من يراقب الاندفاعة السعودية نحو لبنان، تحديدا وضع مطار رينيه معوّض في القليعات على رأس المشاريع التي تنوي السعودية تمويلها، يلحظ "التفافها" على النفوذ التركي في سورية واحتمال "انفلاشه" صوب لبنان. ولذلك ابدت انقرة امتعاضها من تأهيل المطار المذكور بوصفه منافسا قويّا لمطارات الساحل السوري التي بدأ الأتراك يتمركزون فيها، عبر مستشارين وملحقين عسكريين.
أبعد من ذلك، فإنّ من اوصل احمد الشرع الى سدّة الحكم قد يُنهي دوره عند انتهاء المهمة التي اوكلت اليه، وليس من قبيل الصّدفة ان يتمّ تسريب معلومات تقرير اميركي في هذا التوقيت، يكشف انّ قبرص ستكون وُجهة الشرع في حال استجدّ اي تطوّر خطير ومفاجئ يتهدّد حكمه.. هذا ان لم يواجه عمليّة اغتيال!.
في 11 شباط الماضي، كشفت صحيفة " تركييه غازوتيسي" التركية، عن مخطط للإطاحة بأحمد الشرع وحكومته عبر انقلاب عسكري جرى التخطيط له خلال اجتماع سرّي حضره ضباط كبار من الجيش السوري السابق في دولة مجاورة لسورية، واشارت الى انّ المخطط يشمل تفاهمات شاملة مع قوات "قسد" لتنفيذ العملية، وحيث سيتمّ تهريب منظمات مشاركة ايضا عبر المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد".
"انطلاقا من سورية، ثمّة احداث كبرى قادمة ستُبعثر اوراق المنطقة من جديد"- وفق ما نُقل عن باحث بريطاني متخصّص في الشأن السوري، اوضح ايضا انّ محور المقاومة تعرّض لضربات قاسية لكنه لم ينكسر، منوّها الى انّ لبنان الذي بات خاضعا لوصاية اميركية كاملة تماما كما حصل في حقبة الثمانينات إثر الاجتياح "الاسرائيلي" لهذا البلد وصولا الى بيروت، وحيث اُرسلت القوات المتعددة الجنسيات وفرض رئيس يميني حينها هو بشير الجميل.. الا انّ ثمّة من قرّر انذاك قلب الطاولة على رؤوسهم جميعا، "والأمر نفسه ليس مُستبعدا الان"- وفق اشارته.
ورغم تصويب شخصيات لبنانية داخلية تدور في الفلك الأميركي، على" انتهاء "حزب الله كحركة مقاومة لطالما قضّت مضاجع المسؤولين والقادة الاسرائيليين الا انّ تقارير غربية وعبريّة تشكّك في مزاعم نتنياهو واركان حكومته اليمينيّة في زعم الحاق حزب الله بالضربة القاضية. وبموازاة تأكيد معلومات استخبارية المانيّة على انّ الحزب استطاع التعافي بشكل كبير، لفتت شون رفن- المقدّم في الاحتياط والمسؤولة السابقة في الشاباك، الى "انّ قدرة حزب الله على التعافي سريعة جدا، وسخرت من مزاعم الجنرالات "الاسرائيليين" على قول "قضينا
على 70 بالمئة من قدراته، وشددت على ضرورة الاعتراف بأنّ الحزب منظمة قويّة مجهّزة ومدرّبة على نحو عال، والحرب معه طويلة".
هذا قبل ان تقرّ صحيفة "لوس انجلوس تايمز" الاميركية في تقرير لها "باستحالة ان تستطيع اسرائيل القضاء على حزب الله"، واوضحت انّ الحزب اثبت قدرته اللافتة على التعافي، ورغم كل الضربات التي تعرّض لها، الا انّ مقاتليه ابدوا قوّة وثباتا في ميدان جنوب لبنان،وصدّوا غزو الجيش"الاسرائيلي" بفِرَقه الضخمة الى داخل القرى الجنوبية، والحقوا خسائر بشريّة ضخمة في صفوف هذه القوات- كما في عشرات المدرعات.
رغم المشهد السوداوي الذي يلفّ المنطقة، الا انّ خيوط احداث مرتقبة قد تعيد بعثرة الاوراق من جديد لغير صالح "اسرائيل"، خصوصا وانّ اكثر من مفاجأة عسكرية وامنيّة جهزّتها حركة "انصار الله" اليمنية للقادم من الايام، قد تكون خارج الحسابات "الإسرائيلية" والاميركية- بحسب ما نُقل عن شخصية امنية لبنانية رجّحت ايضا "تطوّرا دراماتيكيا مفاجئا في "اسرائيل"!.