سورية بين ربطة عُنق الشرع وعمامة الجولاني _ أمين أبوراشد

الثلاثاء 11 آذار , 2025 02:07 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

"لا ترتكبوا خطيئتنا وتُسلِّموا سلاحكم".. نصيحة قدَّمها أحد العلويين في الساحل السوري إلى دروز جنوب سورية، وأمعن في شرح المجازر التي ارتُكبت بحق عائلات بكاملها على أيدي جماعات تكفيرية؛ من الإيغور والشيشانيين والأوزبك، وأن عناصر الأمن العام في الحكومة السورية الجديدة ليسوا أكثر من طلائع ومُخبرين لجماعات لا تعرف الله، ولا تفهم اللغة العربية أصلاً، لتسمع صرخات الاسترحام لو قررت أن تسمع.

وناشد هذا المواطن العلوي دول الغرب، وطالب بنشر عشرات الفيديوهات التي توثِّق ارتكابات ما أسماها "عصابات الجولاني" بحق العلويين والأقليات الأخرى تحت ستار مطاردة فلول الأسد، فيما هذه الفلول إن وُجِدَت فهي في الجبال، ومشهديات المذابح ما هي سوى رسائل مقصودة موجهة إليهم لترهيبهم عن بُعد.

مناشدة هذا المواطن العلوي للدروز، ليست من باب النُصحِ للغير، بقدر ما هي وقفة ندم على تصديق أحمد الشرع الذي وقف يخطب بالسوريين مرتدياً البذلة وربطة العنق وطالبهم بتسليم أسلحتهم وإجراء تسوية أوضاعهم مع الدولة، وتجاوب العلويون مع ذلك.
وفي أية حال، الرد الدرزي على النصيحة العلوية جاء على لسان أكثر من مواطن في السويداء بتأكيد قطع رِجٍل كل من يحاول من ّ"الهيئة" دخول الجنوب السوري، لا بل أن البعض اعتبر أن هذا الجنوب باتت مرجعيته السياسية في "إسرائيل".

شاهد عيان أطلَّ يوم الإثنين عبر قناة الميادين بالصوت، متزامناً مع بث فيديو صادم للمذابح التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ في الساحل السوري، وقال أن ما حصل ويحصل من جرائم الإبادة الجماعية للعلويين شمل كافة مدن وبلدات الساحل، وما زال مستمراً، وأن آلاف الفيديوهات توثِّق مجازراً لم يعرفها التاريخ المعاصر، وأن بعثة الأمم المتحدة التي حضرت لتفقُّد الأوضاع على الأرض، رافقتها مجموعات من الأمن العام لتضليلها، وأن هناك مجموعات أخرى سبقت هذه البعثة وجَالَت على القرى والبلدات لإملاء ما يجب على الأهالي قوله أمام البعثة تحت طائلة الذبح والتهجير وتدمير المنازل بحق مَن يخالف تعليمات الأمن العام، لكن إخفاء المسلحين من الشوارع ومحاولة تظهير الوضع أنه سلمي وآمن، لم يحجب الفيديوهات التي كان آخرها، استخدام الجرافات لإخفاء الجثث من شوارع بلدات خَلَت من سكانها الذين هرب معظمهم إلى الجبال.

ردَّة الفعل الدولية بدأت من فرنسا التي طالبت بإجراء تحقيق عاجل، ومصادر في الإتحاد الأوروبي أكدت أن هذا الهجوم على المدنيين الآمنين سوف يؤثر سلباً على مسألة رفع العقوبات عن سورية.

ردود الفعل في الأوساط الداخلية السورية جاءت رافضة ومُستهجنة لهذا الإفراط في العنف، وتساءل البعض عن مصير الأكراد لو فعلوا ما فعله العلويون بتسليم أسلحتهم، أو لو فعل الدروز ذلك من جرمانا في ريف دمشق الى القنيطرة ودرعا والسويداء، خاصة أن العلويين لم يطالبوا بحكم ذاتي كما فعل الأكراد والدروز وكان هذا مصيرهم.

وإذا كان الأكراد في شمال شرق سورية ليسوا على عجلة من أمرهم لإعلان الحكم الذاتي، كونهم يتمتعون بذلك من أيام النظام السابق، ولديهم خيرات سورية الطبيعية والزراعية، من نفط وغاز وإنتاج غذائي، فإن الدروز في جنوب سورية باتوا يقارنون مستوى معيشتهم بمستوى أقاربهم في الجولان المحتل ويُجاهر بعضهم بالرغبة في انتقال مقاليد حكمهم إلى "دولة إسرائيل". 

وحادثة جرمانا التي حصلت مؤخراً بين "هيئة تحرير الشام" ومجموعة حماية محلية داخل المدينة، استدعت تدخلاً مباشراً من نتانياهو الذي هدد بسحق كل مَن يحاول الاقتراب من المناطق الدرزية، وقد سبق لصحيفة "جيروزاليم بوست" أن ذكرت في 25 شباط فبراير الماضي، أن هناك تناغماً بين خطاب نتانياهو عن "تنظيم أحمد الشرع" وبين القوى الرافضة له في المحافظات الجنوبية.

والخطير في وضع الجنوب السوري، ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 23 شباط فبراير، أن مخطط تفتيت سورية يشغل الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ العام 1967، وأن إيغال آلون أحد العسكريين والسياسيين المخضرمين في الكيان الصهيوني، كان يردد دائماً أن بوابة تفتيت سوريا وتمزيق وحدتها لا تتمّ إلا من الجنوب، وأنه يجب الاستفادة من تجاور دروز الجولان المحتل مع أبناء طائفتهم في القنيطرة وصولاً الى السويداء، وها هي تمنيات إيغال آلون تتحقق بعد 45 سنة على رحيله، ما لم ينتفض الشعب السوري على عمائم تكفيرية لا تسترها ربطة عنق...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل