ترامب يتولَّى توزيع الورق.. لكنه ليس اللاعب الأوحد _ أمين أبوراشد

الثلاثاء 04 آذار , 2025 12:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

نجحت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية في تطوير توصيف الشخصية الأميركية التي كان يرمز إليها "الكاوبوي" في تعامله مع القطعان بالغرب الأميركي لترهيب الهنود الحُمر، واعتبرت أن الرئيس ترامب يُمارس السياسة الخارجية على طريقة "دون كورليوني" في فيلم “العراب” (The Godfather)، بحيث يتعمَّد إهانة الضيوف ووضعهم في مواقف حرجة، والتحدث إليهم بلغة الإملاء.

لا لباقة الملك الأردني عبد الله بن الحسين في احترام أصول التخاطب، لَجَمت ترامب عن مهزلة إملاءاته في مؤتمر صحفي فاجأ به ضيفه الأردني قبل بدء المباحثات بينهما، ولا صراحة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي ردعت ترامب عن الإساءة لضيفه، ورغم ذلك، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن "زيلنسكي كان عدائياً ووقحاً".

لسنا هنا بوارد الدخول في تفاصيل العدوان الأميركي "الإسرائيلي" على غزة، ومراوغة الطرفين في تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه مع حركة حماس، وتمييع البدء بمفاوضات المرحلة الثانية، ولا نحن بصدد مناقشة الحرب الروسية الأوكرانية، التي دفعت بروسيا للهجوم على أوكرانيا ومنع انضمامها لحلف "الناتو"، وأن تكون خنجراً في الخاصرة الروسية، بل نحن في صدد تقييم السياسة الخارجية الأميركية التي لم تعُد مضمونة أكثر من أربع سنوات، حيث يرحل السَلَف مع كل قراراته التي يمحوها الخَلَف بقرارات تبدو أحياناً تدابير مجنونة وغير مسؤولة، سواء على مستوى الداخل، أم على مستوى الخارج الذي اهتزت فيه الهيبة الأميركية أمام الأزمات.

استطلاع رأي حصل منذ أيام، أعلن فيه 47% فقط من الأميركيين أن ترامب يُصلِح لأن يكون في البيت الأبيض، ومآخذ نازعيّ الثقة عنه كانت متعددة ومتنوِّعة، واللافت أن أسلوبه الاستعلائي في التعامل مع الآخرين كان من ضمن نقاط تقييمه، وكذلك عدم إظهار أي احترامه للرئيس السابق جو بايدن، لا بل سعيه الدائم لتحقيره في كل مناسبة.

وتأتي مسألة طرد المهاجرين غير الشرعيين في طليعة لائحة تقييم ترامب، حيث أعلن خلال حملته الانتخابية أنه سوف يطرد الملايين منهم، ثم تبين بعد وصوله الى البيت الأبيض أنه أرسل طائرتين تحملان بضع مئات منهم إلى المكسيك ورفضت السلطات هناك السماح للطائرتين بالهبوط، وتوجهتا إلى أحد مطارات نيكاراغوا حيث سُمِح لهما بذلك لدواعٍ إنسانية، فيما اصطدمت إدارة ترامب أن مئات آلاف المهاجرين غير الشرعيين، لديهم ملفات هجرة عالقة داخل المؤسسات الحكومية والقضائية، المحلية أو  الفيدرالية، وأنه ليس من السهل إنهاء هكذا ملف بأيام كما زعم ترامب. 

ضبط الحدود مع المكسيك، الذي كان من ضمن الأسلحة التي حارب فيها ترامب خصمه بايدن ومن بعده خليفته كاملا هاريس، تبين أن الإجراء الذي اتخذه ترامب، هو استكمال بناء الجدار الفاصل بين البلدين، وإرسال 1500 جندي إضافي من حرس الحدود، واستهجن الأميركيون هذه المعالجة الهزيلة، في دولة تنتشر جيوشها في مختلف أنحاء العالم، لحماية الآخرين أو التدخل في شؤونهم، وهي عاجزة عن حماية حدودها.

وقد يكون التراجع عن فرض الضرائب التي قررها ترامب على الواردات من كندا والمكسيك والصين بنسب متفاوتة، أثبت هشاشة الرؤية لديه - هو الذي يتباهى بفكره الاقتصادي، عندما جاءت الردود من الدول المعنية بمقاطعة السلع الأميركية، بحيث عوَّمت كندا أسواقها بالمنتجات الكندية، وعمَّمت على مواطنيها وجوب الاستعاضة بها عن السلع الأميركية المستوردة، فيما لوَّحت المكسيك بتنويع مصادر استيرادها من دول أخرى.  

ويرى الأميركيون، أن تكرار ترامب في خطاباته الانتخابية، أنه لو كان في الحكم مكان بايدن لما تجرأ بوتين على غزو أوكرانيا، ولا تجرأت حماس على عملية 7 أكتوبر، وأنه قادر على حل الأزمتين خلال أيام من وصوله إلى البيت الأبيض، فيما تبين لاحقاً أن وعوده لم تكن سوى مادة للاستهلاك الانتخابي من جهة، ونتاج مواقفه الانفعالية والارتجالية من جهة أخرى.

وقد تكون مهام ترامب توزيع الورق على طاولة اللعب الدولية من منطلق موقع بلاده على رأس الطاولة ولكن، مواقفه من تهجير أبناء غزة بهدف استملاكها كانت الردود العربية عليها غير مسبوقة، خصوصاً من مصر والأردن والدول الخليجية وعلى رأسها المملكة السعودية، مما حدا به إلى التراجع، لأن القمة العربية في القاهرة أبسط مقرراتها الإصرار على حلّ الدولتين، وإعادة إعمار غزة دون الحاجة الى انتقال السكان لأي مكان آخر.

أما الورقة الأوكرانية، فقد حملها ترامب على ما يبدو "بالمقلوب"، بحيث أنه أهمل الشركاء الأوروبيين ودول حلف الناتو، وتوجَّه إلى الروس لترتيب إنهاء الحرب مع أوكرانيا، كي يفرض على أوروبا اتفاقاً فوقياً ويطالب أوكرانيا الاستعداد لخسارة بعض الأراضي مقابل السلام.
وهنا ثارت ثائرة زيلنسكي، وحطَّ رحاله بداية في تركيا، بصفتها الراعية الدولية لاتفاقية الحبوب والتي يثق بها الرئيس الأوكراني، وهو من أنقرة رفض كل ما يصدر عن اجتماع الرياض بين الموفدين الأميركيين والروس، مما ألزم ترامب إرسال موفد له الى زيلنسكي يدعوه لزيارة واشنطن.

وحصل ما حصل خلال زيارة زيلنسكي إلى البيت الأبيض، وبدا فيها الرئيس الأوكراني ذلك المتمرد أمام مَن يعتبرون أنفسهم أسياده وأسياد أوروبا ولكن، ها هو زيلنسكي غادر واشنطن إلى لندن للقاء قادة خمس عشرة دولة أوروبية إضافة الى كندا لبحث أمن أوكرانيا، واستقبلته بريطانيا على المستوى الشعبي كما الأبطال بحيث غصَّت شوارع لندن بالأعلام الأوكرانية، وعلى المستوى الرسمي استقبله الملك البريطاني في لفتة خاصة،  وبانتظار قمة دول الإتحاد الأوروبي في بروكسل في السادس من آذار مارس الجاري، سيعرف ترامب أن هناك قوى على الطاولة الدولية غير أميركا التي يراها عظيمة، وهذه القوى قادرة على قلب الطاولة على أحادية أميركا في الوقت المناسب، وفي كل الأوقات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل