أقلام الثبات
استطاع "المجتمع المقاوم" بمقاومته المدنية الشجاعة حصد بعض النتائج الميدانية والسياسية، فحرّر بعض القرى، وفرض تقصير مهلة تمديد الهدنة من 60 يوماً الى 20 يوماً، مضافاً اليها بحث قضية الأسرى السبعة للمقاومة خلال الحرب.
تمديد الهدنة بقرار أميركي ألزم الحكومة اللبنانية، بناء على طلب "إسرائيلي"، ليس بسبب حاجة العدو الى مزيد من الوقت، كما يدعي، لتفجير المنشآت والمواقع العسكرية للمقاومة، فقد استباح مع القوات الدولية "جنوبي الليطاني" 60 يوماً ولم يترك شيئاً إلا وفجّره من بيوت وآثار ومساجد ونهب، واحرق كل شيء، بأعمال غير أخلاقية تنزع عنه صفة الجيش النظامي وتمنحه صفة العصابات والمافيا.
إن الطلب "الإسرائيلي" للتمديد والضغط الأميركي يهدفان لتحقيق الأمور التالية:
- حفظ ماء الوجه للجيش "الإسرائيلي"، حتى لا تنكسر هيبته ويعيد "أهل المقاومة" إذلاله مرة ثانية، كما حصل في عام 2000، حيث فر مذعوراً مع "ميليشيا لحد" التي تركها وراءه، مع فارق أنه يترك الآن ميليشياته في العمق اللبناني.
- إظهار ان قرار الانسحاب هو بيد "اسرائيل" وليس بيد المجتمع المقاوم.
- سلب المجتمع المقاوم مشهدية "إعادة النهوض" والشفاء من الضربات القاسية التي تعرّض لها.
- تمديد الوقت، لتأليف الحكومة اللبنانية الجديدة وتكليفها بالمرحلة السياسية والأمنية ضد المقاومة، ونقل الصراع بين المقاومة والعدو "الإسرائيلي" الى ساحة الصراع الداخلي مع بعض القوى السياسية الحليفة "لإسرائيل" والحكومة التي سيضغط عليها الامريكي ويأمرها بمواجهة المقاومة وحصارها، كما كانت الفترة بين حزيران 1982 وشباط 1984، وفي حال لم يتم تأليف الحكومة سيتم التمديد ثانية للعدو "الإسرائيلي"، وعدم ترك منطقة فراغ بين "الانسحاب والتأليف" حتى لا تستطيع قوى المقاومة من الصمود امام "الإقصاء والإخصاء" السياسي او ستلجأ أميركا لفرض حكومة امر واقع.
لقد وضع التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" لبنان بين خيارين، إما الاحتلال الإسرائيلي المباشر والمتوحش والساخن، او الوصاية الأميركية المباشرة المتوحشة الناعمة، بهدف نقل لبنان من ساحة مقاومة لها دورها الإقليمي، الى "تصفير" دورها العسكري بكل الوسائل، وقطع "حبل الصرة" مع المقاومة الفلسطينية في الداخل، لأنه إذا تحقق ذلك فإن إضعاف المقاومة في فلسطين سيصبح ممكنا ومحقّقاً.
سَتُكرّر أميركا تجربة "بريمر" في العراق، مع الخصوصية الاستثنائية للبنان، واستحداث ثنائية "الجنرال والسفيرة"، ودور تنفيذي للسعودية غير تقريري، كجائزه ترضية شكلية، مقابل الهدية الأميركية لتركيا بإعطائها حق "استعمار سوريا" وتقسيمها.
الوصاية الأميركية المباشرة ستكون أكثر خطراً على المقاومة والمشروع الوطني في لبنان، لاستعمالها أدوات داخلية لبنانية، لمواجهة الوطنيين واستخدام الدولة والقوى الأمنية والاقتصاد والإعلام، وكل الوسائل التي تمتلكها أميركا، وهي كثيرة، لإعادة بناء الدولة اللبنانية ومؤسساتها وفق المصالح الأميركية، خصوصاً الأمنية، والبدء بثنائية المطارات وثنائية المرافئ، وتأسيس لبنان ذي "البابين" وليس الباب الواحد، وتقسيم لبنان بين المنطقة الأميركية الحرّة التي يغلب عليها الطابع المسيحي، ومنطقة الفوضى التي سيغلب عليها الطابع الإسلامي الملقّح باللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، أي منطقة الفوضى المتعدّدة الجنسيات، والتي ستقاتل بعضها وفق المخطط الأميركي - "الإسرائيلي".
مقاومة الوصاية الجديدة تختلف عن مقاومة الاحتلال المباشر، وتستدعي إعداد واستخدام وسائل جديدة، لناحية الوسائل والشخصيات، حيث انها تحتاج للجهد الفكري والعقلي والتخطيط، واعتماد أصحاب الكفاءة والاختصاص، وإبعاد "الشارع" عن المشاركة الانفعالية والفوضوية، والانتباه من المتسلّلين عبر" أنفاق" الدين والمال والإعلام والتنظيم والتحالفات، والانحراف الأخلاقي والاجتماعي... لقد دخلنا ساحة المواجهة الأصعب والطويلة الأمد والمتعدّدة المحاور والمتنوعة الأساليب التي تحتاج لبناء جبهة مقاومة مدنية وطنية شاملة، وإخراج المقاومة من هويتها الطائفية التي لم تكن خياراً لها، بل نتيجة وقائع يمكن تجاوزها بإعادة التواصل مع القوى والشخصيات الوطنية في كل الطوائف والأحزاب، خصوصاً اليسارية... ويمكن الانتصار او إجهاض "الاستعمار الأميركي الجديد".
18 شباط.. من الاحتلال المباشر إلى الوصاية المباشرة ــ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 28 كانون الثاني , 2025 11:21 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة