أقلام الثبات
أزمات متتالية تضرب الاقتصاد الأميركي، لكن هذه المرة ثمة جديد سرطاني يتغلغل في الجسد الاقتصادي الأميركي، وهو مؤلم وموجع، إذ لا العقاقير ستنقذه، ولا الاستئصال سيبقيه على قيد الحياة، والحل في نظر بعض الاقتصاديين الاستعانة بمتختصصين من الصين أو أوروبا، فاليوان الصيني صار له مفعوله الطبي، وجرأته، وتحديه حتى وإن كان الدولار نفسه، فكيف به الآن وهو من يملك جرعة الإنقاذ، فهل سيعطي الصيني هذه الجرعة للأميركي كي يقف على قدميه من جديد؟ أم سيدعو له بالقريب العاجل كي يحل مكانه كعملة عالمية لها هيبتها الاقتصادية مثلما كان الدولار؟.
اليورو يستجدي الدب الروسي، وهو يعرف أن مجده أمام الدولار لا يكون إلا بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهذا ما أشار إليه الرئيس الفرنسي بقوله: "الصين يمكن أن تلعب دوراً لوقف حرب أوكرانيا"، مضيفاً بعد عودته من الصين التي زارها لمدة ثلاثة أيام: "أوروبا يجب أن تقاوم الضغوط الرامية لتحويلها إلى تابعة للولايات المتحدة الأميركية"، وأضاف: "يجب على الدول الأوروبية تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي خارج الحدود الإقليمية"، وهذه الزيارة لم تزد الدولار "الضعيف" إلا ألماً، فحرارته لم تنخفض منذ أن استيقظ على كابوس الديون، وهو يصرخ: لن أدفعها ولن أسددها، وهذا لا يأتي من عنجهيته أو غروره، بل لعدم قدرته على مقاومة منافسيه، وأبرزهم اليورو الأوروبي واليوان الصيني، والاثنين لا يرحمان اقتصادياً.
ظاهرة ليست الأولى من نوعها، إلا أن المرض هذه المرة خطر جداً، وخصوصاً بعد تفعيل وزارة الخزانة الأميركية منذ شهرين إجراءات استثنائية للسحوبات النقدية بهدف الحيلولة دون تجاوز سقف الدين الاتحادي المفروض من الكونغرس والبالغ 31.4 تريليون دولار، وتشير التقارير إلى أن الخزانة الأميركية تواجه عجزاً في السيولة لدفع الفواتير الحكومية، وهذا يسبب أزمة أشد خطراً من أزمة 2008. في بداية عام 2023 تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بإجراء مناقشة مع رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي بشأن رفع سقف الدين الأميركي، إلا أن هذا الحوار لم يأت بنتيجة، نظراً لما أضافه فيما بعد بقوله: "إن تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون سيكون كارثة لا مثيل لها من الناحية المالية في البلاد"، مضيفاً: "الدين الذي ندفعه تراكم على مدى 200 عام، وسنجري نقاشاً بسيطاً حول ذلك مع زعيم الأغلبية الجديد في مجلس النواب"، دون ذكر الموعد، أو الكيفية، وكأنها إبرة بنج منتهية الصلاحية ولم ينتبه لها جو بايدن!.
الخلاصة: وضع الدولار اليوم داخل الولايات المتحدة يشبه رجلاً مسناً وصل إلى أرذل العمر فألبسوه "حفوظة" وبقي ينتظر وفاته، فهل يستطيع الدولار الصمود طويلاً؟، أم أن البراد سيكون مثواه الأخير؟.