فشل الحصاد الحريري ـ عدنان الساحلي

الجمعة 15 كانون الثاني , 2021 12:39 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كلما طار الرئيس سعد الحريري المكلف تشكيل حكومة جديدة، ليزور وطنه الأول الرياض، أو غادر لبنان سائحاً متجاهلاً حاجة البلاد لوجود حكومة فاعلة، يؤكد المؤكد، بأنه فرض نفسه رئيساً مكلفاً، بأمر من الخارج. ولتنفيذ أجندات خارجية، تسير وفق خط بياني، بدأ مع وطء الحريرية السياسية أرض لبنان ومواقع السلطة فيه. وهدف إلى إيصال لبنان إلى أوضاعه الحالية.
يريد الحريري تشكيل حكومة "مهمة" إنقاذ إقتصادي، في ترجمة لمبادرة التدخل الإنقاذي الفرنسي. التي كان واضحاً أنها جاءت مفصلة على قياس الحريري. وتتوافق مع  ما يعلنه الأميركيون والسعوديون من مطالب وشروط في تشكيل الحكومة اللبنانية. لذلك استهلك مصطفى أديب واستغل من قبل تجمع رؤساء الحكومات السابقين، الذي يتراسه الحريري. في حين أن الأخير هو صديق للفرنسيين. وهذه الصداقة ورثها عن والده الراحل. والمبادرة الفرنسية لا يمكن أن تكون من أفكار صاحبها، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بقدر ما هي تفصيل لمقترحات ونصائح وأفكار جماعته اللبنانيين.
وشعارات الحريري ذاتها لتشكيل الحكومة، حملت توجهات إستفزازية والغائية، بل كانت مشروع إعلان حرب على أهل السياسة اللبنانيين، كأن الحريري ليس منهم، أو أنه ليس رأس منظومة الفساد فيهم، التي تضم زعماء الطوائف وأصحاب المصارف وكل نافذ مد يده على المال العام بسرقة أو هدر مقونن. 
ومنذ أن جاء المنسق الفرنسي المكلف تنفيذ مؤتمر «سيدر» بيار دوكان، إلى لبنان؛ وتصرفه كمندوب سامي فرنسي، كان واضحاً أن كل الحلول المقترحة لأزمة لبنان المالية تلحظ إستمرار الإستدانة. في تكريس لما فرضته الحريرية السياسية منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، تحت حجة أن إنخراط لبنان في مسيرة السلام الآتي، سيدفع ثمنه حكام دويلات الخليج من مال نفطهم، لسداد ديون لبنان المتراكمة. والتي تفوق قدرته على تحملها. 
لكن مع مرور الوقت، تبين أن حملة الإستدانة والإفقار تلك، التي ترافقت مع هدر كبير وسرقات موصوفة للمال العام، كانت تهيئة للأرضية المناسبة لحرب الإخضاع المالي، التي نفذتها إدارة الرئيس الأميركي الفاشل والأحمق دونالد ترامب. والتي لا ينتظر أن تكون إدارة خلفه جو بايدن، أفضل حالاً. 
وحتى خطة الإنقاذ التي طرحها الحريري قبل إستقالة حكومته، تركزت على عنصر الإستدانة. في حين أن المليارات الحرام التي سرقها حكام لبنان والنافذون فيه، طوال العقود الثلاثة الماضية، أكملت بسرقة مدخرات اللبنانيين في المصارف. وبتهريب ما تبقى منها. في جريمة واضحة لإخضاع لبنان واللبنانيين لإرادة ما يسمى زوراً "المجتمع الدولي". وهو في حقيقته الإدارة الأميركية وأتباعها، في الدول التي تخلى حكامها عن كل ما له علاقة بالوطنية والسيادة والكرامة. والتحقوا كقطيع حيوانات خلف راعيهم الأميركي. ولنا في المملكة السعودية وبعض بلدان الخليج العربي، نموذجا منحطاً عن هذه الدول، التي تحرم شعبها من ثرواته وتقدمها ضريبة حماية للأميركي وخوة لتسليح العدو "الإسرائيلي".
لذا لم يكن عبثاً تحويل الحريرية الأولى كل نواحي الإقتصاد اللبناني إلى النظام الريعي، وتدمير كل قطاعات الانتاج في البلاد. وكذلك إطلاق العنان للمصارف ولأصحاب الأموال والنافذين، لنهب خيرات الشعب اللبناني ومراكمة الثروات، حيث تضاعفت رساميل أصحاب المصارف عشرات، لا بل مئات المرات. 
والحريرية السياسية، التي صعدت إلى السياسة على سلم الوعد بالإعمار وإزالة آثار حرب السنتين، أنتجت إعماراً غارقا في الفساد؛ وديوناً بلغت عشرات مليارات الدولارات يعجز لبنان عن تسديد فوائدها؛ وضائقة إجتماعية وإقتصادية يعاني منها اللبنانيون.
    ويعلم اللبنانيون، الكبير منهم والصغير، أن قوى الهيمنة العالمية وأتباعها في المنطقة، تضغط على لبنان لينضم إلى قافلة أنظمة الخيانة والعمالة، التي إعترفت بالكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ويشرد أهلها ويقتلهم كل يوم.  
    ولو قارنا معاناة اللبنانيين "بفلسفة" الحريرية لسياساتها الإقتصادية، نجد أنها ما تزال تفرض مفرداتها على حياة اللبنانيين ومستقبلهم. ففي تسعينيات القرن الماضي قال الحريري الأول بوضوح، أن لا "إستثمار" ممكناً في لبنان، في ظل الأخذ بنظام الحد الأدنى للأجور وبوجود الضمان الإجتماعي، الذي يشكل برايه عبئاً على المستثمر. وهناك من طالب حينها، بتخفيض عديد الجيش الذي كان أقل مما هو عليه حالياً. وهذا الأمر ترجم حرباً على الرواتب وتجميداً لمواكبتها سلم التضخم الذي شهدته البلاد. وكذلك، ترجم مداً لأيدي الحكومة على أموال المضمونين. واليوم، تبدو الحقيقة واضحة، بأن اللبنانيين يعيشون تحت ضغط هذه الخطط وإن لم تتم ترجمتها في قوانين. حيث يتولى الإفقار المتعمد تغيير الأوضاع الإجتماعية للبنانيين.
يرفع الحريري الثاني شعار حكومة مهمة من إختصاصيين ومن غير أحزاب. وشخصه بذاته يناقض هذه المطالب. فهو رئيس حزب وسياسي ولا إختصاص له غير تبديد الثروة التي ورثها عن والده والتي جمعها من أموال اللبنانيين.
    لكن عندما نضع في الإعتبار أن المطلوب من الحريري أميركياً وسعودياً، هو ضم لبنان إلى طابور الزواحف "المطبعين" مع العدو "ألإسرائيلي"، من أنظمة الخيانة العربية. وتلبية شهوة المطامع "الإسرائيلية" في الأرض والمياه والثروة النفطية والغازية اللبنانية. وتوطين اللآجئين الفلسطينيين. وكذلك النازحين السوريين. وإبعاد المقاومة عن المشاركة في الحكومة ومحاصرتها، تمهيدا للتخلص منها، ندرك لماذا يصر الحريري على تشكيل مثل هذه حكومة. وعلى شن حرب ضد حليف المقاومة رئيس الجمهورية ميشال عون. 
وهذا التواطؤ من بعض الداخل، بزعامة الحريري، الهادف إلى التخلص من المقاومة، ناتج عن اعتقاد المحور الأميركي-الصهيوني- السعودي أن "الصيدة" حسب تعبير أمير قطر السابق، باتت في متناول اليد، لكنها لبنانية هذه المرة نتيجة إفلاس لبنان المتعمد من قبل جماعة أميركا والسعودية. وهناك قوى في الداخل اللبناني على استعداد لبيع "أمها وأبيها" وليس وطنها فحسب، مقابل تبوء السلطة والحصول على المال الحرام محمياً بالرضى الأميركي. وما يجري هذه الأيام هو محاولة من الحريري وداعميه في الخارج لحصاد ما زرعته الحريرية السياسية في مرحلتيها. لكن ما فشل "الإسرائيلي" في الحصول عليه؛ وما فشلت القوات المتعددة الجنسيات في تحقيقه، لن يستطيع الحريري وغيره تحقيقه. وسيفشل حصاده المر، لأن ثبات اللبنانيين على رفض الخضوع للإملاءات الأميركية وتمسكهم بمقاومتهم، هو جزء من كرامتهم. وهو حاضرهم في الصبر والصمود. ومستقبلهم الواعد بسقوط المشروع الصهيوني وكل من يسير في ركابه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل