أولى ارتدادات التطبيع.. تراجع شعبية 'العدالة والتنمية' المغربي

الأحد 10 كانون الثاني , 2021 12:01 توقيت بيروت عــربـي

الثبات ـ المغرب

انعكس الاحتجاج الشعبي المغربي على التطبيع مع الكيان الاسرائيلي على الانتخابات الجزئية في البلاد، فقد تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية المغربي الذي يقود التحالف الحكومي في هذه الانتخابات.

فقد شكّلت هزيمة حزب "العدالة والتنمية"، في الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت يوم الخميس الماضي في دائرة الرشيدية (جنوبي شرق المغرب) مفاجأة غير متوقعة، أدخلت الحزب الساعي لقيادة الحكومة، للمرة الثالثة على التوالي، في "مرحلة شك"، قبل أشهر من انتخابات تشريعية وبلدية (في النصف الثاني من العام الحالي) ستحدد مستقبل الإسلاميين في المشهد السياسي لما بعد عام 2021. وهو ما دفع قيادة الحزب جهوياً ووطنياً لدراسة أسباب الانتكاسة، وفقدان أحد المعاقل الانتخابية. والجهة هي إطار إداري اعتمده المغرب سنة 2015 وتم بموجبه تقسيم البلاد إلى 12 جهة تتمتع بنوع من الاستقلالية الإدارية. وتنقسمُ كل جهة إلى عَمالات أو أقَاليم يختلف توزيعها من جهة إلى أُخرى. والرشيدية هي واحدة من خمسة أقاليم تقع ضمن جهة درعة تافيلالت والتي تضم أيضاً أقاليم ورزازات وميدلت وتنغير وزاكورة.

واحتل حزب العدالة والتنمية، المرتبة الثالثة في الرشيدية خلف حليفيه في الأغلبية الحكومية، حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"التجمع الوطني للأحرار"، وهو ما يطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت هزيمته مؤشراً على بداية انحدار انتخابي. مع العلم أن دائرة الرشيدية ظلّت سنوات عدة حاضنة انتخابية بامتياز لـ"العدالة والتنمية"، قبل أن تبدل الانتخابات الجزئية ذلك. وفقد الحزب في أربع سنوات فقط أكثر من 17 ألف صوت، بحصوله على 9201 صوت في الانتخابات الأخيرة في مقابل 26252 صوتاً خلال انتخابات 2016.

ويحمل هذا التراجع في دائرة انتخابية يترأس "العدالة والتنمية" مجلس جهتها ومجلسها الإقليمي ويتوفر على أكبر تجمّع برلماني فيها، قلقاً جدياً واستياءً ملحوظاً، انعكس في تدوينات أعضائه في شبكات التواصل الاجتماعي. في السياق، رأى البعض، أن الهزيمة هي نتيجة "تأثير الخطاب الذي تبناه الحزب خلال هذه الفترة والخالي من المضمون السياسي، وتأثير الأحداث الكبرى التي تورط فيها من قبيل التمهيد لفرنسة التعليم (تدريس المواد العلمية في المدارس باللغة الفرنسية)، والارتباك في تدبير الموقف من استئناف العلاقات مع "إسرائيل". كما انتقد هؤلاء "الخطاب الذي تبناه الحزب جهوياً ومحلياً، في الترافع على قضايا السكان من موقع رئاسة الجهة ورئاسة جماعة الرشيدية وجماعات أخرى بالإقليم".

وبحسب هذه الأصوات، فإن "هذا التأثير لا يشمل عموم المواطنين فحسب، بل يبدو أنه شمل أعضاء الحزب والمتعاطفين معه، وكتلته الناخبة القريبة". في المقابل، تعتبر أصوات أخرى أن "العدالة والتنمية" بالرشيدية لم يخسر، وإنما دفع ضريبة سياسة المركز وقراراته، وأن هذا الوضع يجعل الحزب مطالباً بعقد مؤتمره الاستثنائي.

وتأتي خسارة حزب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في مرحلة عسيرة لم يمر بها طيلة تاريخه السياسي، جراء الغضب الداخلي الذي تجسد في توترات غير مسبوقة ومواقف غاضبة من قيادات داخل الحزب، بدءاً بإعفاء الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران في 17 مارس/آذار 2017 من تشكيل الحكومة، وانتهاء بتوقيع الأمين العام الحالي اتفاق التطبيع مع "إسرائيل".

واجتمعت على "العدالة والتنمية" ما يسميها البعض عوامل استهداف خارجية، تكمن في حملة سياسية وإعلامية منظمة تشنها نخب تنتقد هيمنته على المشهد السياسي ورفضه الانفتاح وتغليبه مصلحة الحزب على مصلحة الوطن، وذلك في مسعى لإفشال مسيرة حزب احتل المرتبة الأولى مرتين متتاليتين في الانتخابات التشريعية لعامي 2011 و2016. كما اجتمعت عوامل تنظيمية وسياسية داخلية، ساهمت في بلوغ الحزب مرحلة من "الشك السياسي"، خصوصاً أنه سيكون أمام جبهات كثيرة ومعقّدة في طريقه إلى تشريعيات 2021.

وبعد نتيجة الرشيدية حرصت إدارة الحملة الانتخابية الجزئية لحزب "العدالة والتنمية" في الجهة، على توجيه رسائل إلى من يهمه الأمر داخل الحزب وخارجه، بتأكيدها أن "الانتخابات جولة انتهت، وأن مشروع الفكرة (أي مشروع الحزب) التي نجتمع حولها لم ينته"، وأنها "ستحاول ترتيب الأوراق واستخلاص الدروس والوقوف على مكامن الخلل، من أجل الاستمرار في طريق الإصلاح والصلاح والفلاح".

في المقابل، يرى عضو الأمانة العامة في الحزب، عبد العزيز أفتاتي، أن الإخفاق الانتخابي ليس مؤشراً على تراجع الحزب شعبياً. ويلفت إلى أن "هناك أوضاعاً أثرت على النتائج، ومنها ما هو ذاتي لا يمكن التنصل منه، ويتعلق بحجم التعبئة والانخراط فيها والمشاركة في الانتخابات كما كان في السابق للمناضلين والمناضلات". ويبدي اعتقاده بأن "على الإخوان في الإقليم القيام بتقييم جريء، لحصر ما هو ذاتي وما هو موضوعي"، في نتيجة الرشيدية.

وبحسب القيادي في الحزب، فإن ربط الهزيمة الانتخابية بالأزمة التي يعرفها الحزب، منذ إعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة، أو توقيع العثماني على اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب و"إسرائيل"، هو "مجرد أسطوانة مشروخة يرددها البعض". ويشير إلى أن "الحزب كان في انتخابات بالرشيدية في مواجهة أوركسترا سلطوية، يقودها نافذ ترابي (مسؤول في السلطة) استخدمت منطق القبيلة بشكل فج".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل