مقارنة "الفرسنة" بالفرنسة بعين مجرّدة: السيد نصرالله وعمى الألوان السياديّ اللبنانيّ

الإثنين 04 كانون الثاني , 2021 01:05 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

– تجمع الأحرف المتشابهة بين الفرسنة التي يجري تداولها كخطر على لبنان، أي جعله تابعاً للفرس والمقصود إيران، والفرنسة التي تعني تتبيع لبنان لفرنسا، وبخلاف السائد إعلامياً فإن المقومات الواقعية للفرنسة تبدو حقيقية، ووجود مشروع جدّي لتحقيقها يبدو واقعاً قائماً، بينما لا مقومات للفرسنة ولا وجود واقعياً لمشروع لتحقيقها، وما جرى ويجري هذه الفترة يعبر عن عمى ألوان سيادي مرضي لدى الكثير من اللبنانيين، يتجاوزون دائرة التابعين وجماعة السفارات، ليشملوا فئات واسعة سياسية واجتماعية تعبر عن مرض ثقافي يصيب المجتمع اللبناني في مفهوم السيادة.

– توقف السيد حسن نصرالله أمام عمى الألوان السيادي الذي أصاب هذه الشرائح التي يشكل بعضها بيئات صديقة للمقاومة، من خلال توقفه امام ما أثاره الكلام المنسوب لقائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني، الذي تعرض للتحوير والتزوير واستدرج رغم التوضيحات ردوداً وتعليقات مباشرة وغير مباشرة أصابت المقاومة بلغة توجيهية في غير مكانها، لإثبات هوية سيادية لأصحابها كي لا يتم اتهامهم بالتبعية والتخلي عن الموقف السيادي. وعبر السيد نصرالله عن الألم لسيادة هذه الغوغائية والعشوائية، فالمسؤول الإيراني وصف حقيقتين، واحدة تقول بأن إيران قدمت سلاحاً للمقاومة، والثانية تقول بأن لبنان جبهة أمامية بوجه كيان الاحتلال، ليتم تسويقه على أساس أن إيران قدّمت الصواريخ للمقاومة لتشكل جبهة أمامية لإيران بوجه “إسرائيل”، ورغم تعميم التوضيح والتصحيح، بقيت التعليقات والمواقف تتعامل بخلفيتها مع السعي للتبرؤ من الاتهام بنقص سيادي إذا صمتت، فما هو الموقف السيادي اللبناني؟

– الموقف السيادي اللبناني يرتكز على اعتبار أي زيادة بنسبة المتحدثين والمتعلمين باللغة الفرنسية تطوراً حضارياً وتعزيزاً لقيمة ثقافية إنسانية اسمها الفرنكوفونيّة التي يتباهى لبنان بكونه مؤسساً فيها، ويرتكز بالمقابل على اعتبار زيادة عدد الناطقين باللغة الفارسية والمتعلمين بها تعبيراً عن توسع نطاق الالتحاق بمشروع الفرسنة وعلامة خطرة على مصير السيادة، وذلك ليس لأن الفرنسية أعرق من الفارسية، فالفارسية بلغة العلم والتاريخ تنتمي لزمن سابق لولادة الفرنسية، وليس لأن نطاق انتشار الفارسية محدود بالقياس للفرنسية، فإن لم يكن عدد الناطقين بالفارسية أكثر فالعدد متساوٍ، ولا لأن حجم المعارف الإنسانية أدباً وشعر وثقافة وعلوماً باللغة الفارسية أقل، بل لسبب واحد هو موقف إيران الداعم للمقاومة والمناوئ للهيمنة الأميركية والعدوانية الإسرائيلية، ولأن أي إشارة لمودة لبنانية إيرانية على المستوى الشعبي تجلب غيظ كيان الاحتلال ومسانديه، وربما لو انتشرت العبرية لوجدت من يجد الأعذار لانتشارها، بينما تصب اللعنة على الفارسية، والسيادة تميّز بين الفرنسة الواقعية القائمة، والفرسنة المفترضة وغير القائمة.

– الموقف السيادي اللبناني يقوم على اعتبار قيام الرئيس الفرنسي بممارسة الوصاية على لبنان فيتدخل بتسمية رئيس الحكومة وتشكيلها، ويملك في جعبته أسماء لحاكم مصرف مركزي جديد ومدير مرفأ جديد، ويتطلع لوضع يد الشركات الفرنسية على المرافق اللبنانية من الكهرباء الى الاتصالات، مجرد نخوة أخويّة لمساعدة لبنان، بينما مبادرة إيران لعرض تأمين الكهرباء بقروض ميسّرة بعيدة المدى وبالليرة اللبنانية ومثلها كل فاتورة لبنان النفطية، مشروعاً خيالياً وربما انتقاصاً للسيادة.

– التخلي العربي والدولي عن لبنان عندما وقع تحت الاحتلال ومد يد العون للمحتل لفرض شروطه، في المفهوم السيادي اللبناني، مشاركة أخوية، والمساعدة الإيرانية للمقاومة حتى تحقيق التحرير، مشروع نفوذ ومساس بالسيادة، ولنتذكّر كيف كان النقاش منذ اتفاق الطائف حتى التحرير يجري تحت عنوان التشكيك بفرضية التحرير وتوصيف المقاومة كأداة إيرانية مرة لتحسين العلاقات الإيرانية الأميركية، وكأداة سورية مرة لتحسين شروط التفاوض على الجولان، وعندما تحرر الجنوب من دون أن تتحسّن العلاقات الأميركية الإيرانية أو تتحسّن شروط التفاوض على الجولان، لم يكلف الذين نالوا من شرف المقاومة ووطنيّتها عناء الاعتذار.

– الحقيقة هي أن الذين يسوقون عمى الألوان السيادي هم ليسوا من المصابين به فهم يعلمون علم اليقين انهم مجرد جزء من تاريخ مشين ومخزٍ في الصمت امام الاحتلال، والطريق الوحيد لتبرئة تاريخهم هو تشويه تاريخ المقاومة وهويتها وتحالفاتها. فالحديث عن مشروع إيراني أو كما يسمّونه فارسي، وهو غير موجود، يخفف من مسؤولية الذين لم يكن لهم بصمة في مقاومة الاحتلال، إذا ربطوها بما يصيب السيادة، وتعففوا بداعي الحرص على السيادة، بينما لا يزعجهم انتهاك الطيران الإسرائيلي للأجواء اللبنانية يومياً، ولا يرون العقوبات الأميركية انتهاكاً للسيادة حتى لو هدّدوا بها، ولا ينظرون لتسميات شوارع العاصمة بأسماء جنرالات الاحتلال الغربي البريطاني والفرنسي، بينما يصيبهم بالصداع إطلاق بلدية اسم الرجل الذي أفنى عمره بنقل الصواريخ والمعدات للمقاومة ومدّ يد العون لإعمار ما تهدّم في عدوان تموز على أحد الشوارع.

 

ناصر قنديل ـ البناء

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل