"الحياد".. كلمة ممنوعة من الصرف! ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 22 تموز , 2020 08:59 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

من السهل تسطيح الأمور، والتهليل لشعار حياد لبنان الذي رفعه البطريرك الراعي، لكن غبطته بدأ ولايته البطريركية بشعار "شراكة ومحبة"، بما يعني، أن الشراكة الوطنية التي شاءها أن تكون ضمن مفهوم  الشركة ذات الربحية، يجب على الأقل أن تضبط إيقاع أهداف هذه الشركة ضمن خطة تقييم جدوى الاستثمار مع الشركاء في الوطن، بدل أن تكون مادة تندُّر على الإعلام وصفحات التواصل الإجتماعي، وهي لغاية الآن غير معروفة السقف، بدليل أن الراعي اضطر في أكثر من مناسبة لمحاولة شرحها سواء لزواره أو عبر العِظات المتتالية، وبقي كل طرفٍ يرى الحياد من منظوره، لأن الحياد غير التحييد والنأي بالنفس، ومَن يرى خلاف ذلك، فلينتظر مَن يُفسِّر له الماءَ بعد الجُهدِ بالماءِ.
الحياد وضع قانوني سيادي (مرتبط بالكيان العام للدولة)، وتحقيقه يستلزم بكل بساطة أن تكون الدولة ذات سيادة على أرضها وحدودها، وأن تتوفر موجبات طلب الحياد، بدءاً من توافق وطني داخلي، مروراً بموافقة الدول المجاورة (سوريا وفلسطين المحتلة)، عبوراً بجامعة الدول العربية التي يٌعتبر لبنان عضواً مؤسساً فيها ومُلتزماً بوحدتها وبقراراتها حتى ولو كانت ورقية، ووصولاً الى الأمم المتحدة التي ترعى حياد الدول، وليست هناك سوى ثماني دول مُحايدة من أصل 195 دولة في العالم، من ضمنها سويسرا والنمسا وتركمانستان، لكن وضع لبنان لا يشبه أيَّاً منها، وموقعه الجيو- سياسي لن يؤهله يوماً أن يكون من دول الحياد، لأنه منذ الإحتلال العثماني مروراً بالانتداب الفرنسي ووصولاً إلى زمن الإستقلال وما بعده، ما كان يوماً بلداً مُحايداً، والحياد قياساً لظروف تكوينه الداخلي ومحيطه الإقليمي، كلمة ممنوعة من الصرف.
عشرات القرارات الأممية الصادرة منذ العام 1948 المرتبطة بفلسطين المحتلة، لبنان معني بها كونه يستضيف لاجئين أقرَّت لهم الأمم المتحدة حق العودة، وهذه المنظمة العاجزة عن تطبيق قرار واحد خاص بالاحتلال الصهيوني لفلسطين وأجزاء من لبنان وسورية، كيف لها أن ترعى حياد لبنان، وهي على الحياد في كل ما يتَّصِل بحقوق الدول والشعوب، سيما وأننا اليوم في حمأة العدوان، والأمم المتحدة حيادية من جريمة "صفقة القرن" التي تنال من لبنان وتُكرِّس مزارع شبعا ضمن خريطة التمزيق لأنها امتداد لمرتفعات الجولان وصولاً إلى غور الأردن ليكتمل طوق العدوان الجديد.
أي حيادٍ أمني للبنان، بوجود أكثر من مليوني نازح ولاجىء على أراضيه، وأي حيادٍ سياسي وسط استمرار جزء من أرضه محتلاً، وأي قرارٍ سيادي يتعلق بإعلان الحياد وأوكار السفارات تعمل كما خلايا النحل، لضرب البُنية اللبنانية المُقاوِمة عبر لعبة التجويع المُتمادية بحق اللبنانيين وتخييرهم بين سلاح حرر أرضهم وبين لقمةِ خبزٍ كريمة على أرضهم!
ولأن "التحييد" هو الحياد غير المُعلن عن المخاطر، ولا يحتاج قنوات ديبلوماسية ولا سياسية لتشريعه وقوننته دولياً، فقد كان حرياً بمَن يُهللون الآن للحياد البطريركي الإنشائي، أن يقرأوا تاريخهم الحديث جداً، ويستعرضوا حلقات من مسلسل حشر أنوفهم في الوضع السوري عبر توريد واستيراد الإرهابيين والأسلحة، والرهان على نصرٍ خائبٍ لطعن المقاومة في لبنان، وهؤلاء مستمرون في أداء دورهم الخياني كصبيان سفارات، ولسنا نحتاج إلى "ويكيليكس لبنانية" لنكشف مداولات هؤلاء في الغرف السوداء مع دوروثي شيا ووليد البُخاري...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل