سلسلة أسماء الله الحسنى .. اسم الله "الحليم"

الأربعاء 03 حزيران , 2020 03:08 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

 

سلسلة أسماء الله الحسنى

اسم الله "الحليم"

 

معنى الحِلم في اللغة: "الأناة والعقل"، أما معناه في حق الله تعالى في مثل قوله تعالى: {وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}، فقد قال ابن جرير الطبري رحمه الله: يعني أنه ذو أناة، لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة.

وقال الخطابي رحمه الله: هو ذو الصفح والأناة، الذي لا يستفزه غضب، ولا يستخفه جهل جاهل، ولا عصيان عاص.

وقال العلامة السعدي رحمه الله: هو الحليم الذي يُدِرُّ على خلقه النعم الظاهرة والباطنة، مع معاصيهم وكثرة زلاتهم، فيحلُم عن مقابلة العاصين بعصيانهم، ويستعتبهم كي يتوبوا، ويمهلهم كي ينيبوا.

وقال الغزالي رحمه الله: الحليم: هو الذي يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمر، ثم لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلةٌ وطيشٌ، كما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [النحل: 61].

والله تعالى حليم، يمهل ويتجاوز، عسى أن يتوب المذنب، ويؤوب العاصي.

وَهْوَ الحَلِيمُ فَلا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ ... بِعُقُوبَةٍ لِيَتُوبَ مِنْ عِصْيَانِ

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ، حَيِيٌّ، سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسِّتْرَ" صحيح سنن النسائي، وبين صلى الله عليه وسلم أن الدعاء باسم الله الحليم من أعظم ما يزيل الكرب، ويرفع الهم والغم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" متفق عليه.

ولما تمكن النبي صلى الله عليه وسلم من أبي سفيان يوم فتح مكة، بعد كل الإيذاء الذي قابل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: "ويحك يا أبا سفيانَ، ألم يأنِ لك أن تعلمَ أني رسولُ اللهِ؟". قال: "بأبي أنت وأمي ما أحلمَك، وما أكرمَكَ وأوْصَلكَ، وأَعْظَمَ عَفْوَكَ" الصحيحة.

 

لا تضربن به في حِلمه مثلاً ... فما له في البرايا يُعرف المثلُ

ولما قصد ثقيفا يبغي الحماية من قريش وما لاقَوه به من الأذى والعنت، طردوه، وسبوه، وأغلظوا له، فجاءه ملَك الجبال وقال: "إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ". فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" متفق عليه.

 

رحابة الصدر فيه غير خافية ... من أجلها عظمت فيهم مكانتهُ

ومدح صلى الله عليه وسلم أشج عبد القيس لمِا رأى ما فيه من تأن وتؤدة وتلطف فقال: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحِلم، والأناة" مسلم. قال النووي: "الحِلم هو العقل، والأناة هي التثبت وترك العجلة".

 

كيفية التخلق بخلق الحلم

قالوا الأسباب الدافعة للحلم كثيرة خصٍّها الماوردي في أدب الدُنيا والدين بعشرةِ أمور، فقال: "الحلمُ من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد. والأسباب الباعثة عليه عشرة:

 

-الرحمة للجُهَّال: فينظُر إليهم بعين الرحمة لعدم علمه وعدم فهمه في رحمه ويتجاوز عنه ويحلُم عليه.. وذلك من خيرٍ يُوافقُ رقه وقد قيل في مأثور الحكم من: "أوكد أسباب الحلم رحمة الجُهَّال".

- الأصل مُهذَّبٌ مؤدب فيترفَّع عن السباب: فيستشعر من نفسه ومن لسانه العفة على أن ينطق بمثل السباب الموجه إليه! ويكون كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم: "لم يكن فاحشاً ولامُتَفَحِّشاً ولا صَخَّاباً في الأسواقِ، ولا يَجْزِي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يَعْفُو ويَصْفَحُ" (رواه الترمذي)، فيترُكه ويترفَّع عن سبابه.. قالوا: وذلك من شرف النفس وعُلو الهمة ومن الجميل هاهنا أنهم قالوا الله سُبحانه وتعالى سمَّى يحيى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بسيداً وذلك لحِلمه.. لأنه كان حليماً فصار سيداً.

-الاستحياء من جزاء الجواب: والباعثُ عليه صيانة النفس وكمال المروءة ولذلك قيل: ما أفحش حليم ولا أوحش كريم. أي: لا يُعقل أن يقع الحليم في مثل هذا الفُحش في الكلام.. فيجب أن يصون لسانه ويترفع أن يرُد عنه وكذلك يستحي من جزاء الجواب وهو أن يزيد الفاحش فيكُف عن نفسه بسكوته هذا الأذى!

- الكرم والتفضُّل وحُب التآلف: فقد حُكي عن الأحنف ابن قيس أنه قال: "ما عاداني أحدٌ قط إلا أخذت في أمري بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى مني عرفتُ له قدره، وإن كان دوني رفعت قدْري عنه، وإن كان نظيري تفضَّلتُ عليه". أي: لو أعلى مني أوقره امتثالًا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: "ليس منّا من لم يوقر كبيرنا" وإن كان أدنى مني يمثل بقوله ليس منّا من لم يرحم صغيرنا وإن كان مثلي فأتميز عليه بالكرم وأتفضل عليه فأكون ذو الشأن.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل