لتحرير الإنسان .. بعد تحرير الأرض ـ د.نسيب حطيط

الأحد 17 أيار , 2020 11:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قبل 20 عاماً وفي شهر "أيار"من العام 2000، استطاع المقاومون هزيمة الاحتلال "الإسرائيلي" وتحرير الأراضي المحتلة في جنوب لبنان ما عدا مزارع "شبعا" وتلال "كفرشوبا" والأجواء اللبنانية وبعض أمواج البحر، .. وكان اول انتصار عربي على العدو "الإسرائيلي" بلا مفاوضات او معاهدات صلح او شروط وقيود .. كان نصراً متألقاً وناصعاً ينضح بالعزة والكرامة تزينه أرواح الشهداء.
بعد 20 عاماً ،نرى انفسنا امام احتلال جديد ناعم يحتل عقولنا ويدخل الى بيوتنا وعاداتنا من لقمة العيش للوظيفة للمقعد الدراسي ويتدخل بكل تفاصيل حاضرنا ليرسم مستقبلنا وفق ما يريد وما يخطط، والأسوأ اننا نحن من استدعاه طلبا للنجاة مما اقترف البعض من مسؤولين ومؤسسات طعنوا الأمن الاجتماعي والإقتصادي للبنان الذي حرره الشهداء.
تحرّرنا من الاحتلال العسكري "الإسرائيلي" او متعدد الجنسيات ولم نعد نرى الدبابات او خوذات الجنود او (نمر على المعابر) .. لكننا امام حواجز طيارة غير مرئية على أبواب الأفران والسوبرماركت او المدارس او الجامعات او المستشفيات حواجز الفقر وعدم القدرة على تامين الأموال اللازمة للشراء .
نحن على أبواب استعمار او انتداب جديد بعد استقلالنا وبعدما تحررنا من الاحتلال، ها نحن نسير باقدامنا وعقولنا لمبايعة الأوصياء الجدد نستجدي الطعام والعيش .. ونحن مستعدون لأن نفعل ما يريدون .. اعطونا بضعة مليارات وخذوا حريتنا .. لأننا لا نجرؤ على استرداد بضعة مليارات من السارقين بربطات عنق او بدلات رسمية او أزياء مختلفة ..بعضها زمني وبعضها روحي !
صندوق النقد الدولي والمؤسسات التابعة والرديفة والجهات الراعية غير الصديقة او غير الحليفة تنتظر على تخوم السنتنا تتهيأ للدخول الى حياتنا بمناسبة الذكرى العشرين لتحرير الأرض واستعادة الكرامة والحرية .. لم نستطع حفظ الإنتصار واعدنا تجربة معركة "احد" المريرة والحزينة لأننا توجهنا نحو المغانم وفررنا الى الدنيا وتركنا رسول الله (ص) وها نحن نعيد الكرّة وادرنا ظهورنا لقبور الشهداء وتوجهنا نحو كنتوارات المصارف .. وبدل المرابطة على الجبهات .. انتشرت منظومة المرابطة على الممتلكات وسهرات واعراس الفرح من عمولات  الرشوة المسماة "هدايا" واكراميات" او "شطارة لبنانية" ..!
كما كان لتحرير الأرض مقاومة عسكرية ومدنية وثقافية واقتصادية مع ريادة المقاومة العسكرية فإنه لا بد من اطلاق "مقاومة اقتصادية "على مستوى التقشف الخاص والعام والعودة لدعم الانتاج الوطني الزراعي والصناعي وغيره وافساح المجال للكفاءات المتنوعة في اختصاصاتها ن تعطى دورها في قيادة المقاومة الاقتصادية والتشريعية وتبدأ بحس اختيار النواب والوزراء والموظفين والإداريين وان يحال الى التقاعد النواب والوزراء الذين مضى على خدمتهم عشرين عاما اقل او اكثر ولا علاقة له بالتخطيط او الدراسات او المناقشات سواء كان عضو كتلة او كان منفرداً .. ولم ينتج بعضهم سوى الحضور الى المجلس النيابي اما صامتا او رافعا يده بالموافقة او التجوال في القرى للمشاركة بالتعازي والأفراح!!
لا بد من اعلان النفير والتعبئة العامة على المستوى الاقتصادي والانتاجي حتى لا نقع في براثن الصندوق الدولي الذي سيتحكم بمصيرنا السياسي والاقتصادي والامن الاجتماعي وستكون البيئة الحاضنة للمقاومة خصوصاً أولى ضحاياه والذي سيعمل على تجفيف ولائها عبر اشغالها بلقمة العيش والركض المستمر لتحصيل عيشها والنجاة من الجوع وستزيد دائرة الشك والانتقاد لمن يقود المسيرة او التشكيك بكفاءته او أهدافه.
لا بد من التخلص من البطانات السيئة والحاشية المرتكبة ومحاسبتها وازاحتها عن الواجهة او التمثيل الرسمي او الحزبي لإستعادة جسور الثقة بين الناس وقياداتها.. ولا بد من تحرير رجال الدين من القيود واستدراجهم لمغادرة الصمت السلبي او القرارات والبيانات غب الطلب السياسي ليعود لرجل الدين دوره الرسالي وللقيام بواجبه الإصلاحي.
نحن امام منعطف استراتيجي خطير، فإما ندخل نفق الإستعمار المالي والإقتصادي ونخسر كل انتصاراتنا وانجازاتنا .. او نعود لقيادة مقاومة ثقافية واقتصادية تحرّر الإنسان حتى يستثمر وتحرير الأرض او نخسرهما معاً .. لا يزال الوقت متاحاً للمراجعة والمعالجة .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل