أسئلة ومطالبة في الذكرى 72 للنكبة ـ رامز مصطفى

الجمعة 15 أيار , 2020 07:28 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

من دون الغوص في إعادة الحديث إلى المقدمات والأسباب ، وكيف تأمرت قوى الاستعمار وأنظمة رجعية مما أدى إلى وقوع نكبة الشعب الفلسطيني في الخامس عشر من أيار العام 1948، حيث مضى عليها 72 عاماً من التشرد والطرد عن أرض الأباء والأجداد.

تلك النكبة المُشبعة في كثيرٍ من صور المآسي والعذابات والحرمان، وبالتالي لكثيرٍ من صور الإصرار والتصميم والتأكيد على أن إرادة العودة ستبقى خياراً لا رجوع عنه لدى جموع الشعب الفلسطيني مهما طالت السنين، وكبرت التضحيات، وعظمت التحديات . فقد كتب فيها وعنها المئات، بل الآلاف من المقالات والدراسات والأبحاث، وتنظيم الندوات والمؤتمرات والملتقيات.

بعد مرور 72 عاماً من عمر النكبة، و55 عاماً من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، لابد من طرح السؤال الإستراتيجي على قيادات العمل الوطني الفلسطيني، بعد جملة من النكسات والتراجعات، التي أدت فيما أدت إليه من تنازلات ، حتى دون سقف الحدود الدنيا لما يسمى بالمرحلية والبرنامج المرحلي ، الذي باتت الساحة الفلسطينية أسيرة ذاك البرنامج ، أساسه قرارات الشرعية الدولية، التي لم تتمكن من تنفيذ قرار واحد من جملة عشرات القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية.

لقد شكلت اتفاقات "أوسلو " المنعطف الإستراتيجي الأخطر على مصير القضية الفلسطينية، مشرّعَة الأبواب أمام تصفيتها ، عبر ما يسمى اليوم ب" صفقة القرن ".

والسؤال، هل تمت صياغة المشروع الوطني الفلسطيني في شقه السياسي، على أساس من الفهم العميق لفكر الحركة الصهيونية وأهدافها الإستراتيجية ؟، الذي صاغته وعملت عليه مجموعة من الحاخامات والمفكرين الصهاينة منذ العام 1834، منطلقين من أساس ديني يتعلق بما جاء في التعاليم "التلمودية "، بهدف تكريس وتحقيق هدف ما أسموه استرجاع "الأرض المقدسة " وهي فلسطين .

وهل المشكلة في النصوص، أم المشكلة في المؤتمنين على تلك النصوص؟، بحسب الخط البياني للسياق السياسي، الذي بدأ يتهاوى عملياً منذ إقرار برنامج النقاط العشرة في العام 1974 .

إطلالة على أسماء مجموعة من هؤلاء الحاخامات والمفكرين، وما تضمنته أفكارهم، أمثال الحاخام "زفي هيرش كاليشر " واضع نظرية إنشاء " الدولة اليهودية، عام 1836 ، وكتابه "السعي الصهيوني" العام 1862، والذي حثّ فيه على الاستيطان في فلسطين ". و" موسى هس " صاحب النداء الشهير والذي وجهه ليهود العالم قائلاً : " سنكون مركز اتصال عظيم بين القارات الثلاث ، وحمله الحضارة الى الشعوب ، وتعودون إلى فلسطين ، وستشفون من جميع أمراضكم " . و" بيريتز سمولنسكين " الذي حذر اليهود من الهجرة إلى غير فلسطين . وأكد في مقالاته التي نشرها العام 1881 على أنّ اليهود أمة ، وعليها أن تستوطن في فلسطين . و" يهوذا لايب بنسكر " ، في عام 1882 كان له كراس عنونه باسم " التحرير الذاتي " ، خلُصّ فيه " أن حل مشاكل اليهود في العالم ، إيجاد وطن لهم ، من خلال شراء أرض يتم تجميعهم فيها ، وبعد ذلك يتوجهون إلى فلسطين " . فيما اعتبر الحاخام " يهودا القالي " أبو المنظرين للحركة الصهيونية ، والأب الروحي لزعيم تلك الحركة " تيودور هرتزل " ، بعد أن تبنى أفكاره فيما بعد . ف" الحاخام القالي " هو من وضع الأسس الأولى لإقامة دولة الكيان على الأرض الفلسطينية واستيطانها ، ففي العام 1834 بدأ بالترويج لأفكاره تلك ، والتي حملت عنواناً " اسعي يا إسرائيل ، لاقامة مستعمرات يهودية في فلسطين " . لنجد أنّ تلك الأفكار والرؤى كانت واضحة وضوح الشمس ، فهؤلاء الحاخامات والمفكرين ، ومن جاء من بعدهم أمثال " تيودور هرتزل " و" زيئفي جابوتنسكي " و" ناجوم جولدمان " ، و" فكتور جاكسبون " و" ديفيد بن غوريون " و" حاييم وايزمن " القائل : " نريد خلق أوضاع في فلسطين نتمكن من خلالها أن ننشئ آخر الأمر مجتمعاً في فلسطين يجعل فلسطين يهودية بمقدار ما انكلترا انكليزية وأميركا أميركية " . وصولاً إلى " ايغال آلون " و" أبا إيبان " و" ليفي اشكول " و" غولدا مائير " وغيرهم ، لم يخفوا حقيقة ما يعملون عليه ، فلم يتركوا وسيلة إلاّ سعوا في طريقها ، طارقين كل الأبواب التي من شأنها أن تساعدهم في تحقيق هدفهم وحلمهم في إقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين . وبالتالي جميعهم يقرون بأن الأرض لهم ، وليس للفلسطينيين أصحاب الأرض أي حق لهم فيها ، وتحديداً في " يهودا والسامرة " ، أي الضفة الغربية التي هي اليوم وأكثر من أي مضى تحت رحمة مقصلة الضم الصهيونية .

لقد أثبتت تجربة العقود الماضية من عمر الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية المعاصرة ، وعلى الرغم من السجل الحافل بالتضحيات والبطولات والإرادات التي لا تزال عند تطلعاتها في التحرير والعودة ، غير أنّ قصوراً ومواضع خللٍ إستراتيجي قد أوصلتنا إلى ما نحن عليه . وكل إدعاء غير ذلك ، ما هو إلاّ مزيد من التوهان السياسي والهروب إلى االأمام ، في ظل متغيرات وتطورات تشهدها المنطقة ، وما يشهده العالم اليوم مع تفشي وباء كورونا ، تعمل الإدارة لأمريكية وكيانها الغاصب ، ومنظومة رجعياتها العربية ، استغلاله وتوظيفه انشغال العالم ، بهدف تمرير " صفقة قرنهم " ، التي الزمت قطبي الصراع في الكيان " الليكود وأزرق أبيض " الاتفاق على تشكيل حكومة مشتركة في أولوياتها تشغيل مقصلة الضم في الضفة ووداي الأردن وشمال البحر الميت ، الذي اعتبره " ايغال آلون " كما أسلافه الحدود الطبيعة للكيان .

بعد 72 عاماً من عمر النكبة.. مطالبون جميعاً بمراجعة نقدية لسياق تاريخي طويل من عمر قضيتنا وثورتنا . وعلى قيادات العمل الوطني الفلسطيني انتهاج المكاشفة والمصارحة من دون كيل الاتهامات والتشفي ، وتقاذف المسؤوليات ، لأن الجميع من حيث المبدأ يتحمل المسؤولية ، مع فارق أن هناك ومن موقع وضع اليد على الحركة الوطنية ، ومؤسستها الجامعة منظمة التحرير الفلسطينية ، قد اساق مع طروحات التسوية ، وانخرط في العملية السياسية التي قادتها الإدارة الأميركية فأنتجت اتفاقات يقول فيها السيد أحمد قريع أحد مهندسي " أوسلو " : " لقد مرت بمراحل صعبة بل إنها تختنق الآن . ويبدو أن الأطراف أبقوا الاتفاقية كي تبقي كما يقولون على شعرة معاوية فحسب . فماذا طُبق من أوسلو؟ ، فهناك سلطة فلسطينية بلا سلطة . الجيش الاسرائيلي يدخل متى يشاء ويغلق شوارع كما يشاء ، فماذا بقي من أوسلو ؟ " .

وأختم بما كتبه " شموئيل ايفن " في نشرة "التقدير الإستراتيجي" التي تصدر عن مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني ، في ذكرى مرور 20 عاماً على اتفاقات " أوسلو " : " رفض في حينه قادة إسرائيل ، رئيس الوزراء اسحق رابين ووزير الخارجية شمعون بيريز ، إمكانية أن تؤدي اتفاقات أوسلو إلى دولة فلسطينية مستقلة ، وتقسيم القدس والتنازل عن السيطرة الإسرائيلية في غور الأردن في إطار التسوية الدائمة مثلما طلب الفلسطينيون " . 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل