القصة الكاملة ... هل خطفت المخابرات المصرية جاسوسا "إسرائيلياً" وحاولت نقله إلى مصر داخل “حقيبة دبلوماسية”

الخميس 26 آذار , 2020 01:42 توقيت بيروت من ذاكرة التاريخ

الثبات ـ من ذاكرة التاريخ

نشر موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قصة رجل إسرائيلي غريب الأطوار غرر بالمخابرات المصرية في ستينيات القرن الماضي، فحاولت اختطافه ونقله من أوروبا داخل صندوق دبلوماسي مغلق، لكن السلطات الإيطالية في مطار روما اكتشفت أمره وتبين أنه كان قد عرض خدمات تجسس على مصر بعد تسلله إلى غزة.

وحسب ما نشره موقع “يديعوت أحرونوت” فقد وصلت لمطار روما في 17 تشرين ثاني 1964 سيارة دبلوماسية مصرية وخرج منها دبلوماسيان قالا إنهما من مصر، وطلبا إرسال صندوق كبير مع طائرة خطوط الطيران العربية المتحدة، وفي سجلات الإرسالية كتب “وثائق دبلوماسية” وعلى الصندوق نفسه كتب “مواد دبلوماسية ممنوع الفتح”.

وفي الواقع لم تكن في الصندوق أي مواد دبلوماسية، فقد احتوى على إسرائيلي يدعى مردخاي لوك الذي انتحل اسم “يوسف دهان”، وقد سمع موظف جمارك إيطالي في مطار روما عام 1964 صراخا خارجا من صندوق بطول 120 سم على 100 سم فسارع للسؤال: ماذا يوجد داخل الصندوق؟ ولم يتردد المصريان بالجواب بالقول“أدوات موسيقية” غير أن موظف الجمارك كان يسمع صراخ من داخل الصندوق وعندئذ استدعى شرطيين من المطار وأمرهما بفتح الصندوق، إلا أن الرجلان المصريان فرا هاربين بمركبتهما، لتتم ملاحقتهما من قبل الشرطة الإيطالية والتي إستطاعات إيقافهما.


وأثناء تحقيق الشرطة الإيطالياة بالأمر، روى الرجل في الصندوق قصة غريبة، وزعم أنه يدعى “يوسف دهان” ومن مواليد بلدة عوجا في المغرب، وأنه عمل مترجما في السفارة المصرية في روما، وانه في اليوم السابق وصل روما من فرانكفورت وخلال تواجده داخل مقهى كافيه ديه بري التقى رجلين مصريين وما لبث أن رافقهما واستقل مركبتهما وهناك اعتديا عليّه بالضرب وحقنوه بثلاث حقن ومن بعدها لم يعد يذكر شيئا” حتى استيقظ ووجد نفسه داخل صندوق.

وحسب المصادر ، فإن الشرطة الإيطالية وخلال التحقيق معه غيّر الرجل روايته، وقال إنه وصل إلى روما من نابولي حيث عاش باسم منتحل وكان يفترض أن يحصل على مبلغ مالي كبير في روما، خلال التحقيق عاد الرجل ليغير كلامه بالقول إنه عمل أيضا لصالح إسرائيل ومصر معا، وفيما بعد وخلال مجموعة من الصحافيين كرر رجل الصندوق روايته مدعيا أنه بفضل خدماته لإسرائيل مُنح مواطنتها.


** يوسف دهان
وكما يوضح موقع “واينت” أن الشرطة الإيطالية أرسلت خلال التحقيق مع الرجل برقية للسفارة المصرية في روما، فحضر على الفور مستشارها وطلب إطلاق سراح الدبلوماسيين المصريين.

وبسبب حصانتهما الدبلوماسية، تم إطلاق سراح الدبلوماسيين المصريين. وحسب المصادر فالدبلوماسيان هما محمد عبد المؤنس وسليم عثمان السيد، وقد عملا في السفارة بوظيفة سكرتير أول وقد تم طردهما من إيطاليا.

ويشير موقع “واينت” أن الشرطة الإسرائيلية لم تحتج لجهد كبير كي تشخص “يوسف دهان”. وقال إن مردخاي لوك كان “زبونا” معروفا لها، إذ سبق وتورط في السابق بعمليات سرقة وتزوير واعتداءات وجنايات أخرى اعتقل بسببها عدة مرات، وقد هرب قبل ثلاث سنوات من الحادثة من روما إلى غزة، وهناك ادعى أنه هرب بسبب التمييز العنصري ضده كيهودي من المغرب، وبسبب الفقر والضائقة الاقتصادية داخل إسرائيل ثم أقام وزوجته في مستعمرة “عاميشاف” بالقرب من تل أبيب.

ويوضح “واينت” أن رئيس إسرائيل وقتذاك يتسحاق بن تسفي منحه العفو بسبب الضائقة الاقتصادية- الاجتماعية التي كابدتها عائلته فتم الإفراج عنه في 1960.

** جنة عدن المصرية
ويضيف “واينت” أن آثار لوك قد افتقدت في حزيران 1961 ولاحقا تبين أنه سلّم نفسه لمصر التي سيطرت آنذاك على قطاع غزة، وبنفس الأسبوع تحدث لإذاعة القاهرة وقال إنه هرب إلى جنة عدن المصرية من إسرائيل، حيث تسود العنصرية البغيضة.

وفي حديثه لإذاعة القاهرة، أعرب لوك عن أمله بأن يحوله المصريون إلى كندا كي يتمكن من فتح صفحة جديدة، لكنه نقل إلى إيطاليا، وهناك كادت تأشيرة الدخول على النفاذ فاستغل المصريون حالته وحاولوا تجنيده للمخابرات المصرية.

ويضيف “واينت”: “في ذلك الوقت واصل المحققون الإيطاليون التحقيق مع لوك الذي قال إنه لم يخن وطنه ولم يتجسس ضد إسرائيل مدعيا أن مصريا قال له إنه هرب من إسرائيل كي يرى العالم ودعاه للتعاون مع المخابرات المصرية مقابل تمكينه من التجول بين الدول، وعندما وافق على العرض، تم إرساله لورشة إعداد جواسيس شارك فيها هاربون ومتسللون إسرائيليون آخرون. وانتهت الورشة في 15 حزيران 1963 وبعد أسبوع سافر إلى ألمانيا ومنها نقل إلى نابولي وقد ادعى أن الجانب المصري أمره بتعقب إسرائيليين في الميناء ومحطات القطار وكتابة تقارير عن المزاج العام في إسرائيل لكن المسؤولين عنه كانوا غير راضين عن عمله وهددوا بإعادته إلى القاهرة”.

** مخابرات ألمانيا
وحسب  موقع “واينت” روى لوك أنه في 17 تشرين ثاني 1964 تم استدعاؤه للقاء مع الدبلوماسيين المصريين المذكورين في مقهى في روما، وما لبث أن تم خطفه لشقة لم يعرفها من قبل.

ويوضح “واينت” أنه خلال ذلك كشف رجل مخابرات مصري سابق هرب من مصر إلى فرنسا أنه يعرف جيدا الدبلوماسيين المصريين اللذين طردا من إيطاليا، وأن الصندوق الذي أدخل فيه لوك تم تصميمه عام 1958 على يد رجل مخابرات ألماني بهدف استعادة ناشطيْن مصريين في ألمانيا معارضيْن للرئيس المصري الراحل عبد الناصر إلى مصر التي هربا منها بعد محاولة انقلاب فاشلة وكذلك يدعي أنه تم خطف عالم ألماني بذات الطريقة.

** علاقات إيطاليا ومصر
 يقول لوك إنه في اليوم التالي بعد الحادثة في روما، تحدث مع الموفد الخاص لصحيفة “يديعوت أحرونوت” في روما أدفين إيتان الذي جلس بجانبه داخل الطائرة من روما إلى تل أبيب بعد طرده من قبل السلطات الإيطالية.

وفي حديثه مع الصحيفة، قال لوك إنه لا يخشى العودة إلى البلاد؛ لأنه لم يعمل ضد إسرائيل. وتابع: “بالعكس، فقد حازت إسرائيل بفضلي على مكسبين هامين -تم اختراق شبكة المخابرات المصرية وتشوشت العلاقات بين مصر وبين إيطاليا “.

وزعم لوك أيضا أنه قدم مساعدات لإسرائيليين كانوا خلف القضبان في السجن المصري. وتابع: “بدأت بتقديم رشاوى لرجال شرطة وسجانين مصريين بهدايا صغيرة وبعد ذلك كنت قادرا على ابتزازهم بذلك وإلزامهم بتقديم مساعدات علاجية وغذاء لأسرى إسرائيليين.

وعلل عرض خدماته على المخابرات المصرية بالقول إن الطريق الوحيد للهرب من جهنم وقتها كانت أن تقول للمصريين أنك مستعد للتجسس لصالحهم. وتابع: “رجوت أن يرسلوني إلى الخارج وعندها أتمكن من الهرب منهم إلى كندا”. وعن ورشة إعداد الجواسيس قال: “كنا خمسة أشخاص وضابطين مصريين، وقد تناولت طعامي معهم وتمتعت بحرية الحركة وفي نهايتها تم تسفيري إلى دمشق”.

** عفو رئيس الدولة
وعن خطفه ومحاولة تهريبه داخل صندوق، قال لوك لـ”يديعوت أحرونوت” إنه لم يلاحظ في البداية الصندوق، وفجأة وجد نفسه داخله مقيدا وبلا قدرة على الحراك والكلام كأنه محنط.

ويضيف: “حينما سمعت من يتحدث بالإيطالية صحوت: أنقذوني هؤلاء قتلة! ومع ارتفاع صوت الجدل بين موظف الجمارك الإيطالي وبين الدبلوماسيين المصريين رفعت نبرة صراخي”.

ويشير “واينت” أنه مع وصول لوك إلى تل أبيب، خضع لتحقيق الشرطة وتم تمديد اعتقاله 15 يوما بسبب تسلله لقطاع غزة علاوة على الاشتباه به بالاتصال مع مخابرات مصر، وحكم عليه بالسجن 13 عاما قضى منها خلف القضبان سبع سنوات فقط بعد العفو عنه، ولاحقا مات بعمر 73 عاما في 2006.

 


 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل